09 نوفمبر 2025
تسجيلحصل ما توقعه المراقبون للشأن الخليجي من انضمام نتنياهو للدول التي تحاصر قطر، وفعلت حكومته اليمينية العنصرية ما سبقت إليه دول «شقيقة» من إغلاق مكتب شبكة الجزيرة. ولو أن الأسباب مختلفة جزئياً في تفاصيلها إلا أن الدواعي واحدة أو موحدة وهي «ارتكاب قناة الجزيرة للمحظور!» والمحظور بالطبع كما لا يخفى هو مشاهدة الملايين من العرب وغير العرب القمع الوحشي للمصلين في المسجد الأقصى وحوله، ومشاهدة قنص الأطفال الفلسطينيين وإجهاز عسكري إسرائيلي على جريح ملقى على الأرض وسحل المصليات المسلمات أمام باب الأسباط. والأخطر إتاحة الفرصة المشروعة لكل من له رأي ليعبر عن رأيه دون أن يعامل المواطن العربي كقاصر غبي يحجر عليه سماع المعارض والمنشق والمجتهد!. وأيضاً بالطبع فإن الجزيرة ارتكبت «جنحة الموضوعية المهنية» في نقل أخبار سوريا وليبيا واليمن عوض الاصطفاف وراء القطيع من الإعلام المدجن «من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر» كما قال شاعر القومية رحمة الله عليه، سليمان العيسى في رثاء الزعيم جمال عبد الناصر. إننا نعيش عصراً ضد العصر! ففي زمن انتشار وسائل الاتصال الاجتماعية التي لا تعترف بالحدود ولا تخضع للرقابات نسمع أصواتاً إسرائيلية، ومع الأسف عربية، تطالب بغلق شبكة إعلامية وخنق صيحات الحرية. بل وتقديم هذا المطلب المتخلف شرطًا من شروط ما يسمونه عودة «العلاقات الأخوية» بين دول عربية تنتمي إلى المنظومة السياسية والحضارية نفسها، وهو ما يعني أن تلك «الأخوة» يجب أن تؤسس على شهادة الزور وتدليس الحقائق وحجب الواقع! أي في المحصلة النهائية بناء العلاقات «الأخوية» بين الدول «الشقيقة» على أسس مصالح المعتدين على شعب فلسطين والقوى المهيمنة على مقادير المشرق العربي! إنه تحول غريب من مشروع قيمي وحضاري مستقبلي يضمن الحقوق ويصون المصالح ويحمي الحريات إلى مشروع يدعو إلى الإقرار بالهزيمة التاريخية، ووصم المقاومة الفلسطينية المشروعة دولياً بالإرهاب. وبالتالي الخضوع لمشروع صهيوني متطرف بدأ من كتابة «تيودور هرتزل» كتابه المؤسس «الدولة اليهودية» سنة 1897. وأنا حين كشفت بعض أسرار الرقم سبعة لدى الفكر الصهيوني في مقالات سابقة أدرك قرائي أن المحطات المهمة في تاريخ الدولة العبرية أنجزت في الأعوام الحاملة لرقم سبعة، بدءًا بكتاب «هرتزل» 1897، وبعده أول مؤتمر للنخبة اليهودية في لندن عام 1907 ثم وعد بلفور 1917 ثم المؤتمر التنسيقي للمصارف في نيويورك 1927 ثم إخماد ثورة عز الدين القسام 1937، يليها تأسيس الدولة الإسرائيلية 1947 بالقرار الأممي المعروف. ثم ننتقل إلى 1957 وإنشاء السلاح النووي بإعانة فرنسا في مفاعل ديمونة. وشهد عام 1967 هزيمة العرب في حرب الخامس من يونيو أعقبها تحييد مصر بسبب خروج المرحوم محمد أنور السادات من الجبهة العربية عام 1977، مما قاد منظمة التحرير إلى الاعتراف بدولة إسرائيل عام 1987 إلى أن بلغت إسرائيل مستوى القوة العسكرية الأكبر في الشرق الأوسط عام 1997 كما خطط «هرتزل» بالضبط منذ قرن في مؤتمر بازل في سويسرا وفي كتابه المذكور آنفاً. وطالما سألني بعض طلابي عما عساه يحدث في عام 2017، وها نحن نرى ما يحدث بعيون لا تقدر إلا على النظر وتسجيل ما يحدث! فالعجز العربي انتقل من الرضا بالهزيمة إلى مرحلة الترويج للهزيمة، وإلى فرضها كواقع ثابت لا مناص من قبوله. وهو ما تتحمل وزره دول رفضت الهزيمة مثل قطر وتركيا ومن ورائهما شعوب العرب كافة، كما يلاحظ المراقبون الأمناء لتوجهات الرأي العام العربي والإسلامي. وإني أتذكر مقولة كان كثير من الزعماء يرددونها وهي أن التاريخ يتقدم بكلمة «لا» وليس بكلمة «نعم»، فالأنبياء رضي الله عنهم كانوا حاملي رسالة إلهية تأمرهم برفض واقع أممهم وقول «لا» للباطل، فصنعوا معجزات التغيير. وكان ذلك هو قدر صحابتهم الأجلاء ومن بعدهم الزعماء الكبار والعلماء الأجلاء «ورثة الأنبياء» الذين غيروا وجهة التاريخ نحو الحق والحرية والمجد. إنني واع أن العرب اليوم أمام خيارين من وراء ما يجري في الخليج واستهداف قطر، فإما انخراط صادق وجريء في دورة الحضارة العادلة كأمة رائدة، وإما إحناء الهامة لقوى الشر والاستعمار الجديد.