11 نوفمبر 2025
تسجيلحينما أعلن الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي تأييده للثورة السورية في خطابه الأول في جامعة القاهرة، اعتبر محللون أن مصر الجديدة تحت قيادة الإخوان المسلمين لم تتغير عن تلك التي كانت تحت نظام المخلوع حسني مبارك التي كانت تقف بالمرصاد لما كان يسمى بمحور الممانعة، الذي يضم إيران وسوريا وحزب الله وحماس. وتأكدت هذه الرؤية مع اتخاذ مصر لقرارها بإرسال دباباتها وطائراتها لسيناء لاستعادة الأمن فيها في مواجهة الجماعات المتشددة التي تهاجم الحدود المشتركة مع إسرائيل. لكن حينما تم الإعلان عن زيارة الرئيس مرسي لإيران في نهاية الشهر الجاري، تغيرت تلك الرؤية لموقف مصر الجديدة، حيث أصبح يراها البعض ذاهبة باتجاه معاكس لذلك الذي اتخذته قبل الثورة في مواجهة طهران وحليفاتها. والحقيقة أن هذه التقديرات سواء تلك التي ترى أن مصر مازالت كما هي في مكانها الذي اتخذته قبل الثورة كأحد أطراف الحلف الأمريكي الإسرائيلي، أو تلك التي ترى أنها انتقلت إلى الحلف المضاد أي حلف الممانعة الإيراني، هي تقديرات خاطئة. ذلك أن مصر تغيرت ولكنها لم تنتقل من حلف إلى آخر، بل عادت إلى موقعها الصحيح كدولة محورية قائدة للمنطقة العربية، تضع مصالح شعبها وأمتها في مواجهة المشروعات الخارجية، سواء تلك التي تقودها الولايات المتحدة أو تلك التي تقودها طهران. فالرئيس مرسي حينما أعلن تأييده للثورة السورية، انطلق من مبدأ أن تقرير المصير حق للشعب السوري، خاصة في مواجهة نظام ديكتاتوري طائفي حول دولة عربية كبرى إلى مجرد تابع لإيران التي تسعى إلى تنفيذ مشروع إمبراطوري في المنطقة من أجل السيطرة عليها شبيه بذلك المشروع الذي تنفذه الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول العربية التابعة لهما. ومن هنا فالموقف المصري يسعى إلى تحرير سوريا من هذه التبعية وإعادتها إلى الحظيرة العربية من أجل بدء المشروع القومي العربي القائم على بناء وحدة عربية تكون نواة لوحدة إسلامية شاملة. أما قرار إعادة انتشار الجيش المصري في سيناء بكافة أسلحته الثقيلة، فالهدف منه ليس حماية أمن إسرائيل كما كان يفعل النظام السابق، ولكن استعادة السيادة على جزء من الأرض المصرية حرمت منها طويلا بسبب معاهدة كامب ديفيد التي كانت تسعى إلى تكبيل تلك السيادة إلى الأبد وجعل سيناء وسيلة للضغط على القرار المصري من أجل استمرار تبعيته لأمريكا وإسرائيل. ولعل ذلك القرار أن يكون مقدمة لقرار استراتيجي اتخذه الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين يقضي بإلغاء معاهدة كامب ديفيد أو تعديلها، خاصة الشق الأمني منها لإتمام إنجاز تحرير سيناء بشكل حقيقي. وتأتي الزيارة التي يزمع الرئيس مرسي القيام بها إلى طهران لتتكامل مع تلك القرارات السابقة، في إطار إستراتيجية تحرير مصر من التبعية للولايات المتحدة والغرب، من خلال اتباع سياسة شبيهة بتلك التي وضعها وزير الخارجية التركي داود أوغلو، والقائمة على تصفير المشاكل مع الدول الجارة لمصر، باستثناء إسرائيل باعتبارها كيانا غير طبيعي وعدوا دائما لمصر. والهدف من تلك السياسة هو إقامة علاقات متوازنة مع كافة دول الإقليم تقوم على احترام المصالح المتبادلة والتعاون من أجل التكامل في مواجهة أطماع الدول الكبرى في المنطقة وثرواتها. وسيترتب على هذه التوازن في العلاقات، التحرر من التبعية الكاملة للغرب وإعطاء هامش واسع من التحرك أمام الدولة المصرية يمكنها من لعب دورها المحوري في المنطقة. والسؤال: هل ستقابل إيران هذا التوجه المصري بفهم صحيح أم أنها ستحاول تكرار تجربة سوريا معها من خلال السعي لجعل مصر دولة تابعة لها في إطار تنفيذ مخططها للسيطرة على المنطقة؟ من المؤكد أن أي محاولة من طهران لتحويل مصر إلى تابع لها ستكون عواقبه وخيمة عليها، لأن مصر لن تستبدل تبعية بتبعية أخرى، خاصة في ظل التطورات الداخلية بعد ثورة يناير التي قامت من أجل تحرير مصر من عبوديتها للغرب، فضلا عن أن هناك تيارا عريضا في مصر يرفض حتى مجرد التقارب مع إيران. ورغم أن تفهم إيران لحقيقة التطورات الداخلية في مصر ربما يكون محدودا في ظل سيطرة التيار المتشدد على السلطة في طهران والذي يسعى بكل قوة لاستمرار مخططات الهيمنة، إلا أن هناك أملا في أن تتغلب القوى العاقلة هناك وتسعى إلى الاستفادة من تلك الفرصة في إقامة محور إسلامي يضم مصر وتركيا والسعودية، يكون ركيزة قوية لتحالف عربي إسلامي يعيد أمجاد دولة الإسلام الأولى.