07 نوفمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); يوم الخميس الموافق 19 نوفمبر الماضي، عرضت العديد من القنوات الفضائية شريطا مصورا أعدته وزارة الداخلية المصرية، لطوابير من الجنود والمركبات المناط بها تأمين الانتخابات البرلمانية التي جرت في أواخر ذلك الشهر، وفي واجهة حاملة جنود أنيقة تصدرت الموكب، كانت هناك لافتة طويلة وعريضة من القماش، وقد كُتب عليها بخط رقعة جميل "نحن فداكي يا مصر"فداكي على وزن "كاكي" الذي هو الزي العسكري، وليس "فِداكِ"، وهكذا نالت الكسرة ترقية، وصارت حرفا ذا شخصية اعتبارية هو الياء، ولابد أن هذه اللافتة خضعت للتمحيص والموافقة كما تقتضي التراتبية العسكرية. مصر التي، ما من دولة عربية، إلا واستعانت بشبابها وشيوخها لتدريس العربية، فدرس على أيديهم مئات الآلاف، الذين تولى بعضهم تدريس اللغة "على أصولها" لشباب بلدانهم، مصر التي كان من يحمل فيها ومنها لقب "درعمي"، ينال ثقة مستمعيه وقرائه لأن اللقب شهادة بأنه خريج "دار العلوم"، التي لم يكن الدارس فيها ينال البراءة، إلا عن استحقاق وجدارة، مصر تلك، صرت تسمع فيها "نحنو شَبابكي فداكي"كما ذكرت في مقالي الأخير فصديقي الدكتور عبدالسلام البسيوني، فلاح مصري فصيح، وداعية إسلامي، يتهمه الليبراليون بأنه "ظلامي"، ويتهمه المتشددون الإسلاميون بأنه ليبرالي، وهو لا ينكر أنه أصولي، ولكنه ليس متأكدا من "شبهة" الليبرالية، مع أنه ما من معرض للفنون التشكيلية – مثلا- إلا ووجدته حاضرا فيه، يتفقد اللوحات بعين ناقدة ومستمتعة، وتربطه علاقات صداقة حميمة مع مسرحيين ورسامين وكتاب وصحفيين، لا يتفقون معه فكريا، وأذكر مرة أنني سألته: يا شيخ "عبسلام"، الموسيقى حلال أم حرام؟ فكان رده: مش حرام، بس ما تقولش لحد إني قلت كدا (وهأنذا ما قلتش لحد إنه قال كدا). وعيني عليه باردة، لأنه أصدر حتى الآن 120 كتابا، كل واحد منها محكم الحبك والسبك، وثري المحتوى، ولأنه – بالمصري – "مش وِش نعمة"، فإنه لا يبيع كتبه بل يُعدُّ منها نسخة إلكترونية، متاحة لكل من يريد قراءتها أو حتى نسخها.أصدر الدكتور الشيخ عبدالسلام البسيوني قبل أشهر قليلة، كتابا يتناول فيه تجربته كمصحح لغوي في عالم الصحافة، وكعادته يعرج على هذه المطبوعة أو تلك، لعرض سوءاتها اللغوية، ونبش الأخطاء الشائعة، من قبيل "من ثُم" بضم الثاء و"توفى" بفتح التاء وبألف مقصورة في آخرها، بما يوحي بأن الميت فارق الدنيا بقرار شخصي، و"هَرعت - بفتح الهاء - سيارات الاسعاف"، وكأن تلك المراكب الخرساء، تتمتع بحس إنساني، وتهرع من تلقاء أنفسها إلى حيث من هم بحاجة إلى "إسعاف"ومن خلال التفاعل مع من يتابعوني على صفحتي في فيسبوك، أدركت إلى أي مدى جنت أنظمتنا التعليمية على جيل كامل، وعلى اللغة العربية، فتجد من يقول وهو يكتب بالفصحى – أو يحسب ذلك: استقريت (وليس استقررت)، واضطريت (وليس اضطررت)، وإنشاء الله (إن شاء الله)، و"الله ما" (اللهم)، وتلك أمثلة وردت أيضا في كتاب البسيوني.ومن الأمثلة التي أوردها البسيوني في كتابه، والتي يلحظها كل ذي حس لغوي شبه سليم، في ما تعج به الصحف ومنتديات الإنترنت: "لِما فعلت ذلك"، بدلا من "لِم"، والسلامو عليكم، و"أنتي تركت كتابكي في السيارة"، وفرائظ الوظوء.وما من كاتب صحفي جاد ومسؤول، إلا وضايقه تدخل المصحح اللغوي في ما يكتب، حتى لو كان التدخل مبررا، لأنه يُذكِّر الكاتب بأن ما حدث كان بسبب "نقص القادرين على التمام"، بينما اكتسب البعض مسمى كاتب، ولحم أكتافهم من خير المصححين اللغويين، أي أنهم يكتبون فسيخا، ليحوله المصحح إلى شربات، وهذه الفئة من الكتاب كل همها أن تقرأ اسمها مكتوبا قرين مقال، حتى وهي تدرك أن حصتها الحقيقية من المقال دون الـ 60% بكثير أو قليل. ويتم إلحاق الأذى الجسيم باللغة – حسبما رصد البسيوني - في الصحف، بتكليف مصحح واحد بمهمة مراجعة وضبط "بلاوي" المحررين والكتاب والمراسلين، وتصريحات المسؤولين الحكوميين من ذوي الاحتياجات اللغوية الخاصة، فلا ينتبه المصحح المسكين إلى بعض الأخطاء الجسيمة بسبب ضغط العمل، ولا إلى البلاوي التي في الإعلانات، ومن ثم قرأنا كيف أن (أكبر دار للنشر) أصبحت (أكبر دار للشر) و(أوسع المجلات العربية انتشارا) أصبحت: (أوسخ المجلات العربية ...)، و (حقوق الطبع محفوظة لورثة المؤلف) أصبحت (حقوق الطبع محفوظة لورشة المؤلف).وفي السودان جعلنا "البغاء للأصلح"، نكاية بداروين، ولا تسلني كيف يلتقي الصلاح مع البغاء، ولكننا شعب لديه عداء مع القاف والغين، فيجعل هذه محل تلك. *أكلوني البراغيث ظاهرة انتبه إليها النحاة عند إضافة واو الجماعة، أو ألف الإثنين، أو نون النسوة إلى الفعل المسند إلى فاعل ظاهر. والفصحى تجرد الفعل من هذه العلامات، فالصحيح أن يقال "أكلتني البراغيث".