09 نوفمبر 2025

تسجيل

المثقف والوظيفة ومفهوم البيعة

24 يونيو 2019

أولاً: من هو المثقف، مثقف السلطة، مثقف الصالونات (مثقف المهنة؛ كالطبيب أو المهندس، مثقف النسق القائم أو الثقافة القائمة) أو (من يستطيع التفكير أو من يفكر خارج الأنساق)؟. وهو في نظري صيغة لا تكتمل (صيرورة) ثقافية. ثانياً: الإبداع: القدرة على إقامة علاقات متجددة دائماً من الأشياء. الثقافة في مجتمعات أصلاً في أزمة (ثقافة السلطة «الشيوخ») وثقافة المجتمع، العلاقة بينهما مشدودة بقوة باتجاه ثقافة السلطة لمحاكاتها أو التمثل بها. ثالثاً: الجهاز الإداري: جزء من الثقافة السائدة أو انعكاس لها وهي ثقافة نسقية محددة مسبقاً في إطارها السياسي والاجتماعي، فبالتالي نحن نتكلم عن «مثقف نسقي» ضمن الوضع القائم. مع اعتقادي أن المثقف هو بالضرورة مبدع، إلا أنه في ظل هذه الثقافة ينفصل الإبداع؛ لأن الإبداع رؤية وابتكار وقدرة عالية على التخيل. رابعاً: التعليم لم يتحول إلى قيمة بعد في مجتمعاتنا، والشهادات أصبحت مجرد واجهة انعكس الريع عليه، فتحولت الشهادات العلمية لتعزيز المكانة الاجتماعية، فأصبحنا أمام ريع ثقافي وانصهرت الشهادة العلمية داخل العمل الإداري والحكومي القائم، فأنتجت لنا ظاهرة «الفداوي المعاصر» يتبع الريع ومن يملكه بعيداً عن قناعاته. فأصبحت الشهادات العليا بالذات «الدكتوراه « رهن الوظيفة والمنصب، فسمعنا عن سرقات لجهود الغير واستغلالا بشعا لأنظمة التعليم في الدول التي تعتبر العلم قيمة لها أخلاقياتها. تعاملنا مع التعليم والثقافة على طريقة سباقات الهجن، فأنتجنا «مضمرين» يحملون شهادات دكتوراه في فلسفة السباق نحو الجائزة. وأنا شخصياً لاحظت، أن الأطباء الذين يأتون للعمل في مستشفياتنا ؛ يكتسبون اتجاهات جديدة بعد فترة كالتمييز بين أفراد المجتمع في إعطاء المواعيد وفي أولوية العلاج. بل إن بعضهم التحق بالحياة الاجتماعية أكثر من التزامه بالحياة العملية، فمنهم من تحول إلى تاجر والآخر بدت عليه آثار السمنة والترهل من كثرة ما يتردد على الولائم عند الأثرياء، وقسم ثالث توقفت معلوماته ودراساته واتجهت اتجاهات أخرى للكسب تكتسي برداء الطبيب فقط. أعتقد أن الإبداع الوحيد الذي يمكن أن يقدمه المثقف في مثل هذه البيئة الإدارية هو العلاقة الإنسانية المميزة، لأن مجال الإبداع العملي ضيق جداً بمعنى أن يكون إنساناً في تعامله مع الناس بعيداً عن أي اعتبارات أخرى أياً كان شكلها؛ اجتماعية كانت أم اقتصادية. أما الصعوبات التي تجعل المثقف لا يتوافق مع الوظيفة الحكومية فأشير إلى بعض الأسباب منها: أولاً: أن الثقافة فضاء مفتوح وتفكير حر؛ بينما الوظيفة قيود قانونية، والتزام. فالفيلسوف مثلاً لا يمكن أن يكون موظفاً ناجحاً؛ لأنه خارج السياقات عندما يفكر إلا في مجال البحوث والدراسات المستقلة. ثانياً: البيئة العربية عموماً طاردة للإبداع ومحاربة للتفكير العلمي وتعتمد على اللغة إلى حد كبير للتمايز. فالمثقف المطلوب مثقف «عنده لسان» شاعر أو خطيب، فاللغة غاية أو هدف في حد ذاتها هذا النمط دون غيره من الأنماط يتفاعل مع البيئة الإدارية بصورة أكثر فاعلية من غيره، أما من يفكر أو يكتب خارج السياق قد يتهم بالشذوذ الثقافي أو الفكري. [email protected]