07 نوفمبر 2025
تسجيليقول قيس بن الملوح: وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديار الديار، أو الوطن، تلك المفردة المثقلة بالمعاني، الممتلئة بالمشاعر، هي كونٌ لغوي وعاطفي وإنساني، هي عالمٌ من البشر والعلاقات والذكريات، وقد فسّر معجم لسان العرب مفردة وطن في تفسيره اللفظي، بأنه الوطن المنزل تقيم به، وهو موطن الإنسان ومحلّه. وحب الوطن، هو حبٌ فطري خُلق مُذ خُلقنا، مزروعٌ بأفئدتنا لا ينبغي له أن يُنزع منها، ولكن لعلّ السؤال الذي يدور في خُلدي، ولا أفتأ من التساؤل بشأنه، أذلك الشعور العنيف القوي، كان سببه الأرض ذاتها، أم من سكن فيها وترعرع..!؟ وما هي العلاقة الأعمق، أهي علاقة الإنسان بالأرض.!؟ أم علاقة الإنسان بمن عاش عليها، فكوّن معهم علاقاته: أهله وأسرته، أصدقاءه وعالمه..!؟ لعلّي أؤمن بعمقٍ أن كلا السببين لهما وبنسبة متساوية التأثير ذاته في النفس البشرية، التي تدفع القلب للتعلق بالوطن، أكان الأرض أم أهلها. فان يخرج الإنسان من رحمِ وطن معيّن، أي أن له نصيبا من الحنين فيها، والولع بطبيعتها أياً كانت، ومن ثم حبها وحب ساكنيها، كل ذلك المزيج من المشاعر يوّلد شعوراً عظيماً، اختفى من جميع محاور الحياة، ليتمركز في محور الوطن فقط، ألا وهو (الولاء).. و لكن.! ماذا لو اعترت النفس غربة في ذات الوطن، أكانت غربة ذاتية أم جسدية، هل يُعقل حينها أن يتحوّل الوطن إلى منفى..!؟، وهل لدائرة المنفى أن تتسع حتى تضم أوطاناً، وليس وطناً واحداً؟!. إن شعوراً كذلك محتملَ الحدوث، وقد يقع كما وقع في حروف الشاعر (أحمد مطر) حينما قال: (قال الصبي للحمار يا غبي قال الحمار للصبي يا عربي). لعلّ تلك العبارة لا تحمل غربة أوطانٍ فحسب، بل ألما مهولا، خيبة أملٍ تدّس برأس صاحبها في معطفه إلى حين..! إن الحزن المحمّل في عبارةٍ كتلك، كان دافعه الولع الشديد بالوطن، ولكن جاء حدث كسّر أبعاد ذلك الولع، فغدى هوىً ممزوجاً بغصة وألم وشجن، فإنسانٌ لا يهوى وطنه، لا يعبّر عنه بعمقٍ، حتى يحسّ بذلك التعبير أعماق جميع الخلق. إذن، إنني أجزم وأقسم، بأن الغربة والمنفى، لا يمكن لهما أن تمحيا هوى الوطن، بل تُزيدهما أضعافاً وأضعافا، وإن كانت بمعيّات الألم والفقد والحزن والحنين.. إن حب الأرض متأصل في ذات كل إنسانٍ، موسومٍ في نفسه، محفور في ذاكرته، لا يفنى إلا بفنائه، وخير دليل قول نزار قباني، مُخاطباً دمشق العريقة: أتيتُ من رحم الأحزان يا وطني