05 نوفمبر 2025

تسجيل

الأفكار المطلقة ومكانها على الأرض

23 نوفمبر 2023

يختلف البشر حول كل الأفكار. هذا أمر طبيعي فلا أفكار مطلقة. الحرية فكرة مطلقة لكنها على الأرض تأخذ أشكالا مختلفة في الحكم. أعظم الأفكار وأهمها وهو الله خالق الكون، اختلف في أمره الناس، وتعددت أشكاله بين الشعوب وعبر الزمن، فضلا عن من ينكرونه تماما! السبب بسيط جدا احتاج إلى زمن طويل لإدراكه، وهو أنه لا يُرَى. لذلك جعل البشر له أشكالا مختلفة، بينما الإسلام مثلا أبعده عن التجسيد، فهو نور السماوات والأرض. حديث طويل ليس مكانه هذا المقال الصغير، لكنه تاريخ من الفكر والدين والفلسفة. الاختلاف حول الأفكار هو الطريق الحقيقي للتقدم، أو التراجع للخلف. لقد كانت الرأسمالية فكرة إلى الأمام قياسا على الإقطاع. جاءت الاشتراكية تبشر بعالم أجمل من المساواة، إلا أنها وقعت في فخ الديكتاتورية، فانهارت أكبر دولها وهي الاتحاد السوفييتي مثلا. الأفكار على الأرض ليست نهائية ولا مطلقة، وإدراك ذلك هو تاريخ البشرية. تبرير الأفكار المطلقة يكون دائما باستخدام الشرور من أجل المصلحة. لا نهاية للمقالات والخطب السياسية والخطب الدينية التي بررت حركات الاستعمار للشعوب الضعيفة، باعتبار أن الاستعمار هو التقدم، بينما هو سرقة ونهب للشعوب الضعيفة. مثلها من برروا تجارة العبيد من أفريقيا إلى أمريكا التي احتاج ضحاياها إلى مئات السنين ليحصلوا على حق المساواة مع السكان البيض. الحقائق تظهر وإن متأخرة، فللوهم طرق أكثر، خاصة حين يكون صاحبه مالكا للمال والقوة والعتاد. في عالمنا العربي حقيقة بشعة تم تبريرها بمبررات ليست من صناعتنا، لكنها من صنع العالم الغربي وعلى رأسه انجلترا. هذه الحقيقة هي وجود إسرائيل في مكانها بين الأمة العربية. المبررات منها وهمي مثل أن فلسطين هي أرض الميعاد لليهود، ومنها التكفير عن ذنوب أوروبا في حقهم، لكن الواضح لكل عاقل، أنه أريد بها أن يظل هذا العالم العربي، في حالة ضعف وعدم استقرار، ومن ثم فضحايا زرع إسرائيل من الفلسطينيين، رغم أنه حقيقة على الأرض، لا يقف عنده من زرعوها. تبرير الوجود الصهيوني لا يزال قائما رغم الحقيقة في التاريخ، فلم يكن هم أصحاب الأرض. لقد أخذ الصراع معها أشكالا من الحرب والسلم، ومهما اختلفنا حولها، فالحقيقة هي أن إسرائيل لا تعترف بالهزائم، لأن وراءها مساندة من دول الغرب قوية لا تنتهي، ووهم ديني كبير، والاعتراف بالهزيمة يعني بداية النهاية. وإذا كانت فكرة التطبيع معها قد ظهرت يوما مع مصر بعد اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 فلم تكن فكرة مطلقة. هي فكرة صارت محل اختبار، حافظت عليها الدولة المصرية ، لكن إسرائيل كانت تكذب. لن اسأل ماذا جنت مصر من التطبيع، وهل تقدمت اقتصاديا وسياسيا مثلا بعد أن ضمن حكامها أنه لا عدو يحاربونه على الحدود؟ هذا أمر يخصنا. السؤال الآن هل اعترفت إسرائيل بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة؟ أيضا ماذا جنى الفلسطينيون من اتفاقية أوسلو غير اتساع النفوذ الصهيوني والمستوطنات واعتبار القدس كلها عاصمة اسرائيل؟ الحقيقة الظاهرة أمامنا على الأرض أن إسرائيل بغطائها الديني الكاذب، وبدعم الدول الغربية، ترى في نفسها فكرة مطلقة، لا تتجاهل التارخ فقط، لكن تتتجاهل ماجرى من مقاومة وحروب معها. حتى التطبيع أفشلته. إيمانها الكاذب بأنها حقيقة مطلقة صار ثقافتها، والدليل استنفاد كل أبواب السلام التي جعلتها إسرائيل والغرب، وهما لنا، وفرصة ذهبية لهم. لذلك تأتي المقاومة المسلحة لها مهما غابت، وستستمر مادام الصهاينة يعتبرون الأفكار واقعا، لا يمكن الثورة عليه أو تغييره.