07 نوفمبر 2025
تسجيليقول ابن خلدون رحمه الله: "كلما زادت المنتجات في جودتها ارتفعت قيمتها، وأصبحت حياة البشر أيسر، وزاد الرزق، وعندها سيزداد تحسّن الإنتاج، وتستمر هذه الدائرة صعوداً بالأمة، وكلما ازدادت المنافسة، زادت مهارة العمال، وزاد التنافس على أفضلهم، وازدهرت الأسواق وتحسن دخل الدولة، وعاش الناس في رفاهية " بتصرف. الهدف الرئيسي من وجود الدول، ووجود الحكومات العمل على إسعاد الناس في الدنيا، وأن يعينوهم على النجاة والنجاح في الآخرة، من خلال نشر الدين وحماية الدولة، والنهوض بالإنسان، وهذا الهدف لا يتحقق إلا بتكامل أدوار جهات عدة، فالدولة من جهة، ومن جهة أخرى هناك أدوار منوطة بالأحزاب والجماعة المنظمة، وهناك أدوار منوطة بالمنظمات والشركات والمؤسسات، وللأسرة والبيت والأهل دور لا يقل أهمية، وكذا الإنسان نفسه عليه واجبات، وله دور في تحقيق الهدف. فالتكامل هو ما يحقق السعادة للإنسان وللدولة، ولا يجوز أن نلقي باللائمة كلها على الدولة، وكذا لا يجوز أيضاً أن نقول إن الفرد هو السبب. يتحدث ابن خلدون عن التطور الذي يحدث للمجتمعات والدولة كنتيجة للمردود الإيجابي للعمل الإنتاجي، فعندما يجتهد العمّال في العمل والإنتاج، فإن الاقتصاد سيصعد ويتطور، وتدور عجلته مبشرة بالخير، وإذا قوي الاقتصاد وتطور ازداد الطلب على الأيدي العاملة، مما يدفع هذه الأيدي العاملة إلى تعلم الجديد في مجال عملها، وزيادة مهاراتها، حتى تنافس في ظل وجود فرص متكافئة. هناك ارتباط وثيق بين ضعف الفاعلية وبين التخلف، فكلما ضعفت الفاعلية زاد التخلف، وإذا زاد التخلف أصبح من العوامل المعيقة للفاعلية، وسنبدأ بالحديث عن أزمة التخلف لنتبعها الحديث عن الفاعلية. ويعرف التخلف بأنه مستوى التراجع في المنافسة مع الآخرين، فعندما نتراجع في مؤشرات التنافس نكون قد تخلفنا، وغيرنا سبقنا وتقدم علينا، وإن كنا في المجمل – كعالم عربي وإسلامي- نعاني من التخلف إلا أن هناك نماذج مشرقة، لا يمكن إغفالها أو التجاوز عنها، فأنا أتحدث عن مستوى العالم العربي والإسلامي، ولا أتحدث على مستوى دولة معينة. والتخلف في أمتنا العربية والإسلامية، يأخذا أشكالاً وصوراً وأبعاداً مختلفة؛ كالتخلف العلمي، ومن مظاهره الإنفاق على البحث العلمي. ففي دراسة أجريت على متوسط نسبة الإنفاق على البحث العلمي في الدول من عام (2000- 2007)م، في سبع دول عربية (السعودية، مصر، الجزائر، السودان، الأردن، الكويت، المغرب) كان متوسط الإنفاق على البحث العلمي فيها مجتمعة (1/4) من (1%) أي (0.25%)، بينما دولة الكيان الصهيوني (إسرائيل) تنفق وحدها (4.58%) على البحث العلمي، أي يزدادون عنا بمقدار حوالي (18) ضعفا، ثم نتساءل لماذا هم متقدمون علينا؟! وتعد براءات الاختراع من المؤشرات التي يقاس بها التخلف العلمي، حيث تشير إحصاءات (2007)م إلى أن مجموع براءات الاختراع التي حصلت عليها الدول العربية بلغ (147) براءة اختراع، بينما سجّلت دولة الكيان الصهيوني وحدها (1683) براءة اختراع، والسبب في هذا التباين الكبير هو اهتمام أعدائنا بقضايا البحث العلمي، والإنفاق عليه. كما تأتي الجوائز العالمية مؤشرا يقاس به التخلف العلمي، فمثلاً حصلت دولة الكيان الصهيوني على (80) جائزة من جوائز نوبل، بينما حصل مجموع المسلمين في العالم على (10) جوائز فقط، وهذا مؤشر يدلّ على حجم التخلف العلمي الذي تعاني منه أمتنا العربية والإسلامية. ويقاس التخلف العلمي كذلك بعدد ومستوى المراكز المتخصصة بالبحث العلمي، ويقاس أيضاً بمدى تشجيع الدولة للمخترعين والباحثين.