06 نوفمبر 2025

تسجيل

الأم النمرة مدمرة

23 أكتوبر 2018

بدأ الجو يتكهرب في مئات الآلاف من البيوت، فامتحانات منتصف العام على الأبواب، ولحكمة يعملها الله، فقد رأت وزارات التربية هنا وهناك، ان تنكد على الطلاب عيشتهم بأن يخضعوا لامتحانات مصيرية في ديسمبر من كل عام، ليودعوا عاما ويستقبلوا آخر جديدا، وهم في غاية التوتر في انتظار النتائج، أو فور صدور النتائج ولا أحسب أنني ومنذ أن احترفت كتابة العمود الصحفي، بنظام عقود المسيار (تتعاقد مع الصحيفة، وتسلمهم المقال وتسير حسب التساهيل)، لا أحسب أنه مر عام دون أن أكتب عن الامتحانات، والمعاناة التي تسبقها وتليها في مثل هذا الوقت من كل عام، والامتحانات ثقيلة على النفس سواء كانت في الفيزياء أو في قيادة السيارات، وفي 19 مايو الجاري نشر مجموعة من التربويين وعلماء الاجتماع في بريطانيا خلاصة دراسة تفيد بأن الأم «النمرة» – أنثى النمر – وهي تلك التي تضغط على عيالها ليل نهار كي يتفوقوا في الدراسة، لا تنجح في مهمتها في أغلب الأحوال، وأطلق الباحثون لقب «نمرة» على الأم التي تحرم عيالها من اللعب والترفيه والخروج من البيت، كي يكرسوا كل وقتهم للدراسة، لأنها تشبه أنثى نمر الغابة التي لا تعطي صغارها «نَفَس»، حتى يتعلمون فنون الصيد والكر والفر، ولم يطلق الباحثون أي لقب مماثل على الآباء لأنهم اكتشفوا أن الأمهات أكثر حرصا من الآباء على الإشراف على شؤون العيال في معظم المجالات (تذكروا أن هذه الدراسة تمت في بريطانيا. يعني مش نحن بس الرجال العرب تنابلة في البيت، ولا دخل لنا بمن ذاكر أو فايبر أو مارس الوتسبة والفسبكة، طالما زوجاتنا – بارك الله فيهن – لا يقصرن في متابعة تطوُّر العيال أكاديميا) وما من شخص يقرأ هذه السطور، إلا وذكرته بسيدة يعرفها أو بأمه أو أخته أو عمته أو خالته، من الصنف الذي يصاب بلوثة عقلية مؤقتة، كلما رأى صبيا ما زال في المدرسة، يشاهد برنامجا تلفزيونيا أو يلهو بشيء ما: عندك سبع مسائل رياضيات يا صايع!! حليت كل المسائل يا ماما.. وطيب واجب الفيزرافيا؟ يا ماما ما حصل درسنا فيزرافيا.. يمكن ندرسها في الجامعة.. بلاش قلة أدب.. جيب دفتر الجغفيزيا.. الفيزياء وللا الجغرافيا يا ماما.. هات الاثنين .. بس ما عندنا واجب جغرافيا.. طيب زين حفظت سورة أبو لهب؟ ومن متى صار لأبو لهب سورة يا ماما؟ اسكت يا قليل الأدب و»تبت يدا أبي لهب...».. يا ماما هذه سورة «المسد» وحفظتها في الروضة. وهذه الأم التي تعرض نفسها لتريقة الولد أبو لسان طويل معذورة، فقلبها عليه وتريد له النجاح والفلاح، لأننا أقوام من عبدة الشهادات المبروزة، ولم تعد من قيمة لابن آدم عندنا إلا لما يحمل من شهادات أكاديمية، بل وتسمع من يعاير تلك العائلة لأن «ولدهم» صنايعي، وبنتهم المسكينة «إنجنت»- يقولون إنها تريد تدرس رسم- وأختها تريد تصبح خياطة ملابس، اللهم حوالينا ولا علينا يا رب. ولا علينا أن الميكانيكي والرسام ومصمم الأزياء يكسب الكثير من عرق جبينه، ثم يحظى باحترامنا بمرور الزمن دون ان يكون الاحترام مستمدا من شهادة ورقية. ومثل العويل الذي يصدر عن الأمهات لتحويل العيال إلى عباقرة بـ»العافية»، لا يأتي بأي نتيجة، سوى ان يجعل الطالب يحس بأن الدراسة واجب ثقيل وسخيف، ومع هذا فإنها، أي المدرسة «أرحم» من البيت، لأنه على الأقل هناك استراحات بين الحصص وفسحتان طويلتان من الوقت كي يأكل التلاميذ خلالها ويشربوا ويلعبوا! والحل يكمن في خير الأمور أي «الوسط»، لا تترك الحبل على الغارب لعيالك الذين في المدارس ولا تكتم أنفاسهم بتحويل ساعات بقائهم في البيت امتدادا لليوم الدراسي.. يعني «تنمُّر» الأم خطأ ويعود بنتائج غير تلك المرجوة. [email protected]