08 نوفمبر 2025
تسجيلهذا ليس جديداً، كتبه آخرون، كتبه عاشقٌ متأخّر التوبة مثل مالك بن الريب، عاشق آخر ارتدى جعبة سهامه ولم تكن غير كمشة روايات هو اليوناني كازانتزاكي، كتبه جاره التركي عزيز نيسن وهو يسخر من كلّ شيء، فلم يعد من المُجدي الخوف منه ونحن وسط دائرته، نتذوقه في كل قصف وقصاص.أكتب في زمنٍ عجيب، يستعير خصلة من كل مرحلة، ويهذي بحكايات قديمة، أكتب لمن سيكون بعد قليل على قيد الموت، كما لو أنني أضع في يديه حبات حمص قلقة في يديه، أكتب للشجرة التي ذبلت، والبيت الذي تهدّم، والظلال الجديدة المشوّهة لنصف بيت لا يمكن معه الوقوف على طل.لا تصدق الدرويش حين قال إن الفنون جميعها قد هزمتك، فقد هزمت القلاع والأسواق القديمة والمساجد، صرت أشدّ فتكاً، وأسرع نقمةً، صرت تتنفّس في برميل، وتشرب في صاروخ، وتتثاءب في طلقة هاون، وأنا أشفقت عليك؛ فقد تعبت كثيراً في بلادي، ألف يوم وأنت تؤثث الخراب وحدك، ألف يوم وأنت تبعثر الأُسَر وحدك، ألف يوم وأنت تحمل الساطور وحدك، ألف يوم وأنت تطيّر الطائرات وحدك، لا رجل كهرم بن سنان يطبطب على كتفيك ويدعوك للاستراحة وأنت تتعب، وتعمل بإخلاص، ألف ومائتا يوم وأنت تكحّل عين القناص، وتزيّت مفاصل الدبابة، وتشحن قلوب القتلة، وتهلّل لمحطمي الأرقام القياسية، عشرون.. ثلاثون.. خمسون.. مائة.. ألف.. أكتب إليك، وأنت مشغول عني بعملك اليوميّ، أعرف أن وقتك ثمين، ولكن وجباتك تصلني باردة، أنتظرها نهاية كلّ ليلة عند نشرات الأخبار، أعرف أن الأخبار العاجلة أمينة في رصد أخبارك، ولكنّ قلبي الضعيف لا يحتمل شريطاً أحمر حادّا، أعرف أن الأخبار العاجلة بهار نشرة الأخبار، ولكني لا أقوى على مجاراتك وأنت تكتب واجباتك، وتنشر الغسيل، وتعدّ الطعام، وتضع الفاكهة في الثلاجة، لا أقوى على رؤيتك وأنت تجلب الأولاد من المدرسة، والأغراض من البقالية، أعرف أنك تعمل، وأن قومي منحوك أجراً جيداً، ولكن والشهادة لله فأنت تعمل بإخلاص، من يداوم الخميس والجمعة غيرك يا رجل، من يمشي الدرب ذاته كلّ يوم إلى البلدة ذاتها والحارة ذاتها والبيت ذاته، من يحفظ عنا كل هذا الشعر الحماسي الداعي إلى التفاني والفناء؟ من نستمع له ونحن نهذي بالحياة؟ من؟على بعد مجزرتين سنتصافح، (سأعزمك) حينها إلى مقبرة جماعية، ستضع يدك فوق صدرك شاكراً، أو قل لك تفضّل أنت سبب هذه النعمة، تقول لي حين يكون لك قبرك الخاص سأزورك، حينها سأمازحك قائلاً: "مات الموتُ أم ذُعر الذعرُ؟". على بعد مجزرتين ستلمّ أمتعتك وترحل بحثاً عن موتى على قيد الحياة والأمل، ستخدع طبيباً بتغيير الجرعة، أو تخطف حقنة النهاية من يد ممرضة، سترحل عن بلاد مات فيها الموت، ولم يعد في السوق غير حياة باهتة عفنة، تطارد الفتيان والرجال، الباحثين في ذات السوق عن عازف الناي وهو ينشد: "ألا موتٌ يباع؟".