12 نوفمبر 2025

تسجيل

قطر والمركز العربي وعزمي بشارة

23 أغسطس 2016

أعرف أن هموم أمتنا العربية كثيرة، ما يجري اليوم في اليمن معركة إنجاز يقودها الفريق علي محسن الأحمر بدعم من قوة التحالف العربي، التطورات المخيفة بين إيران وروسيا الاتحادية، وفتح القواعد الجوية الإيرانية للقوات الجوية الروسية لتدمير سوريا، الانقلاب التركي الفاشل وانعكاساته على الأوضاع في الشرق الأوسط، هذه الأحداث تستدعي المناقشة الجادة والصادقة. لكن استأذن القارئ الكريم في تأجيل الحديث عماذكرت أعلاه، وأنتقل إلى موضوع أشغلنا جميعا الأسبوع الماضي وهو مؤتمر المقاطعة الذي عقد في تونس. (2) عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، مقره الدوحة قطر، مؤتمره العلمي الدولي في مدينة الحمامات تونس في الفترة الواقعة 4 ـــ 6 أغسطس من العام الحالي، تحت عنوان "إستراتيجية المقاطعة في النضال ضد الاحتلال ونظام الابارتهايد الإسرائيلي: الواقع والطموح" وشارك فيه نخبة من الأكاديميين من دول أوروبية وأمريكا ودول أخرى إلى جانب مشاركة أكاديميين من الوطن العرب. قدم المشاركون دراسات علمية محكمة. تناول الباحثون في دراساتهم القضية الفلسطينية بالتحليل العلمي وما يواجهه الشعب الفلسطيني من معاناه تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ ستة عقود، ورغم كل المؤتمرات والمبادرات والمفاوضات الثنائية والمتعددة من أجل السلام بين الفلسطينيين خاصة والعرب عامة وإسرائيل إلا أنها باءت بالفشل وأمعنت السلطات الإسرائيلية في ملاحقة الفلسطينيين بالاعتقالات والحروب المتعددة على قطاع غزة وحصاره لأكثر من عشر سنوات. قدم أهل الفكر والقلم في هذا المؤتمر رؤية لما يجب على الدول الديمقراطية والشعوب عبر العالم فعله تجاه الشعب الفلسطيني لنيل حقوقة المشروعة وردع العدوان الإسرائيلي بطرق سلمية فاعلة ومؤثرة. (3) تأسس في فلسطين المحتلة عام 2005 الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل وهي تجمع ديمقراطي مدني تنسق مع اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة وفضح ومعاقبة إسرائيل وتركز الحركة على ثلاثة قضايا في نضالها السلمي ضد إسرائيل وهي:(1) مقاطعة منتجات الشركات الإسرائيلية والدولية الداعمة لإسرائيل (2) سحب الاستثمارات وعدم تمويل الشركات الإسرائيلية والدولية الداعمة للاحتلال (3) تعمل الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل على تنظيم حملات لنشر الوعي بأهمية فرض عقوبات على إسرائيل لإجبارها على احترام حقوق الفلسطينيين. في ظل هذه المبادئ الثلاث دعا المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات لعقد مؤتمر يشارك فيه كل دعاة ونشطاء المقاطعة من أجل نشر الوعي بأهمية المقاطعة وفرض عقوبات على الكيان الإسرائيلي. لقد وجدت هذه الحركة العالمية استجابة في الأوساط الأوروبية والأمريكية. في أمريكا، كنائس أمريكية تدعو اتباعها إلى سحب أي استثمارات لها في إسرائيل، وحملات نشطة في الجامعات الأمريكية على إسرائيل وسياساتها تجاه الفلسطينيين إلى جانب ألوف من الأكاديميين عبر العالم يقاطعون الجامعات الإسرائيلية. اتحاد الجامعات البريطانية (يو سي يو) أكبر نقابة التعليم العالي والذي يضم في عضويته 120 ألف منتسب يدعو لمقاطعات الجامعات الإسرائيلية تضامنا مع الشعب الفلسطيني، النرويج تعلن منع الغواصات الإسرائيلية من دخول المياه الإقليمية بسبب مشاركتها في حصار غزة، والمجال لا يتسع لذكر كل المؤسسات المدنية عبر العالم التي تدعو وتعمل على مقاطعة إسرائيل ومعاقبتها. (4) الغريب في الأمر أن اللجنة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة دعت الاتحادات والجاليات والمؤسسات والفعاليات الفلسطينية في الشتات وأوروبا ومنظمات المجتمع المدني التونسي الوقوف ضد انعقاد المؤتمر الأمر الذي أدى إلى اقتحام قاعة المؤتمر من حفنة من البشر، وهم يهتفون لا للتطبيع وقطر وأمريكا وعزمي بشارة. المؤتمر عقد ضد التطبيع، ونشر ثقافة المقاطعة للكيان الإسرائيلي، فلماذا كل هذا التشويش. هدف المؤتمر الدولي الدعوة إلى المقاطعة وتوسيع دائرتها ونشر ثقافة المقاطعة، وأنتم أيها الحفنة تدعون إلى المقاطعة فتعالوا نحقق الهدف أولا. لست أدري لماذا الزج بقطر في مثل هذه المناسبات، قطر أعطت دون منة أو تردد الحركة الوطنية الفلسطينية كل ما طلب منها، وقفت مع الشعب الفلسطيني في غزة وما برحت تقف معه ضد الحصار، تعيد إعمار غزة وتدعم ميزانية سلطة محمود عباس ولا يوجد على أرض قطر أي تمثيل إسرائيلي بعد حرب غزة عام 2008 /2009 وقفت مع لبنان والمقاومة عام 2006 وإعادة إعمار الجنوب اللبناني في الوقت الذي تقاعس العرب عن تقديم كلمة لمقاومة إسرائيل في جنوب لبنان. إن تلك الحفنة من البشر واللجنة الفلسطينية الذن وقفا ضد المؤتمر هم خدم إسرائيل وأدواتها في التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية وقتل الفلسطينيين، وأنهم إلى الهلاك والفناء ويمكن أن نقول لهم "القافلة تسير والكلاب تنبح". (5) لا جدال بأن عملاء وأعوان السلطة العباسية في رام الله والأحزاب الطائفية في بيروت والقومجية في دمشق والقاهرة وبعض العواصم الخليجية هم وراء الحملة الظالمة المسعورة على الدكتور عزمي بشارة وقطر والسبب في ذلك أن عزمي بشارة عراهم وكشف سرهم وندد بالمقاومة الطائفية والتواطؤ مع الكيان الصهيوني وفي مقدة ذلك التنسيق الأمني والفساد والمتاجرة بالوطن. لمن لا يعرف عزمي بشارة ودوره الوطني، خارج فلسطين على كل منصف أن يقول كلمته، ومن هنا أقول أن المركز العربي هو مؤسسة بحثية وطنية قطرية، كان لعزمي بشارة شرف تأسيسة. لا من أجل الاسترزاق، وإنما لهدف وطني أبعد، كان الهدف إخراج مراكز البحوث الأجنبية التي توالت في الخليج العربي وراحت تضلل القيادات السياسية وتشغلها بمشاريع لا تخدم الأمة وفعلا استطاع المركز في فترة قصيرة أن يخرج بعض تلك المراكز من الخدمة وتجميد أعمال المراكز الأخرى أذكر منها على سبيل المثال مركز راند. لقد استطاع بشارة بعلمه وثقافته وتجربته إقناع المسؤولين في الدولة بإلغاء مشروع راند حول التعليم وإعادة اللغة العربية لتأخذ مكانتها في المدارس والجامعات بعد أن جمدت لأكثر من عشر سنوات. في هذا السياق أسس أعظم وأكبر مشروع عربي وهو "المعجم التاريخي للغة العربية" بتأييد وتشجيع من سمو أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. يعتبر هذا المعجم حلما عربيا لم تعمل على تحقيقه أي دولة عربية منذ 1932. أسس بشارة المعهد العربي للدراسات الإنسانية العليا ليسد فراغا في هذا المجال واستعان بنخبة من العقول المهاجرة للعمل بالتدريس في المعهد للدراسات العليا. يصدر مركز الأبحاث وتحليل السياسات خمس دوريات محكمة في مجال العلوم الإنسانية المختلفة كما أصدر في فترة قصيرة من تاريخ تأسيسه 173 كتابا تعتبر مرجعا لكل باحث. كان نصيب عزمي من هذه الكتب 12 كتابا. والحق أنه إنتاج فكري لم يسبق المعهد والمركز إليه أي مؤسسة أكاديمية في قطر. آخر القول: ستبقى قطر مأوى لكل صاحب رأي، وكل صاحب فكر ينفع به الأمة.