06 نوفمبر 2025
تسجيلاجتماع مجلس الأمن الدولي، وسرعة اتخاذه قراراً بالإجماع يفرض فيه عقوبات على تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة تحت الفصل السابع الذي يجيز استخدام القوة متى ما رأت الدول المشكلة للمجلس ضرورة ذلك، منح غطاء شرعيا دولياً للولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى للقيام بجميع أنواع التدخل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وصولا إلى الاحتلال المباشر لأي دولة تنتشر فيها القاعدة وتفرعاتها من جبهة النصرة وصولا إلى داعش التنظيم الأكثر تشددا وراديكالية. وبالتالي فإن الأمر لن يبقى حبيس العراق لفترة طويلة، بل سيطال سوريا ولبنان وربما مصر وصولا إلى شمال إفريقيا مثل ليبيا والجزائر ودولا أخرى بحجة مكافحة الإرهاب المتمثل في التنظيمات الجهادية المسلحة.. هذه هي صلاحيات ومفاعيل القرار الدولي، لكن هل يعني هذا أن الولايات المتحدة ستباشر ترجمته فعليا على أرض الواقع في الدول التي ذكرنا؟ الأمر مستبعد في المستقبل المنظور لكن المؤكد أن القرار الدولي سيمنح استراتيجياتها تجاه الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المرونة الفائقة بحيث تصبح المحافظة على مصالحها بأي شكل ترتأي جزءاً من العمل الدولي المشروع تحت مظلة الأمم المتحدة تماما.وعلى ما يبدو، فإن الولايات المتحدة التي خرجت من الباب العراقي قبل عامين عادت إليه من النافذة وبصلاحيات أوسع وبتأشيرة من مجلس الأمن، وهذه المرة لن تُصنّف قوات احتلال كما كان حالها طيلة مكوثها في العراق بل سيصبح وجودها المباشر عملاً ضروريا لحماية الأمن والسلم الأهليين في العراق والمنطقة، ولن يرتبط وجودها بجدول زمني محدد طالما أن هناك تنظيمات جهادية مسلحة تتوالد وتتناسل في المنطقة.وما بات شبه مؤكد حدوثه، هو أن الولايات المتحدة لن تكتفي بالتدخل الجوي فقط عبر ضرب أهداف محددة للتنظيم، وإرسال مستشارين عسكريين لرسم الخطط للجيوش المقاتلة على الأرض في العراق كما يحصل الآن، وإنما سيتطور إلى تدخل عسكري مباشر على شكل فرق وتشكيلات خاصة تملك حرية الحركة والتنقل. إذ إن فعالية الغارات الجوية مهما كانت دقيقة تبقى محدودة وغير قادرة على حسم الصراع ما لم يحدث تدخل مباشر على الأرض. وهذا ما أكده مدير العمليات في هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، الفريق ويليام مايفيل لصحيفة "ستارز آند سترايبس" الخاصة بالشؤون العسكرية بعد بدء العمليات الأمريكية في العراق.كثيرون تساءلوا عن سبب هذا التدخل الأمريكي السريع في العراق بعد أن ضاقت المسافة التي تبعد تنظيم الدولة الإسلامية عن حدود الإقليم 50 كيلومترا فقط في حين أن الحكومة العراقية طلبت منذ شهرين من الولايات المتحدة التدخل أو مدّها بالسلاح والطائرات ضد تنظيم داعش بعد أن اجتاح محافظات بكاملها؟!الولايات المتحدة لم تكن يومها مهتمة بحقوق الأقليات، وهي صمّت آذانها ثلاث سنوات عما يحدث في سوريا من قتل وإرهاب وإبادة تمارس ضد الشعب السوري من أطراف متعددة لا داعي لذكرها إذ إن الجميع يعرف تماما ما يحدث في سوريا. فما الجديد إذن؟التدخل الأمريكي السريع يهدف لحماية المصالح الأمريكية الحيوية في الإقليم، وهي تتمثل في وجود 130 مستشارا عسكريا أمريكيا في اربيل (الرقم المسرب حتى الآن في وسائل الإعلام الغربية)، وعددا من المطارات الصغيرة السرية المخصصة للطائرات الأمريكية دون طيار والتي من مهامها تنفيذ أوامر سرية للمخابرات الأمريكية من عمليات تجسس ورصد وصولا إلى عمليات هجومية. الأمر لم يعد خافياً، حتى أن وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل في تصريحاته الأخيرة أكد وجود مراكز استخبارات أمريكية في اربيل، وأن واشنطن بصدد توسيعها. ثم إن الإقليم على وشك الاستقلال التام عن العراق، وهو سيقدم على هذه الخطوة عاجلاً أم آجلاً وكل من زار الإقليم أو تحدث إلى أيّ من قيادته يدرك أن الهدف الأساسي والمجمع عليه بين الأكراد العراقيين هو تحقيق الاستقلال التام عن العراق. وهو ورقة شديدة القوة تتمسك بها الولايات المتحدة في وجه كل من إيران وتركيا والدول العربية بما فيها الحكومة المركزية في بغداد. ومنع وصول تنظيم الدولة الإسلامية إلى الإقليم يهدف لحماية مشروعه من الاندثار تحت ستار حماية الأقليات العراقية.وكما أن التدخل الأمريكي في العراق سيتدحرج من الجو إلى البر، فإنه لن يقف عند الحدود العراقية حتما بل سيتمدد إلى دول أخرى أولها سورية، وكان الناطق باسم البنتاجون، جون كيربي، أوضح أهداف التدخل الأمريكي في العراق بالقول "القوات العسكرية الأمريكية ستمضي في مهامها بالمواجهة المباشرة ضد داعش أينما نجده يهدد قواتنا ومنشآتنا".. فهل هذا يعني أن الولايات المتحدة ستلاحق التنظيم إلى داخل الحدود السورية إذا عجزت عن القضاء عليه في العراق؟ إذ من غير المرجح أن تتمكن الولايات المتحدة من تدمير أو احتواء الظاهرة الجهادية، في المدى البعيد، دون إعداد نفسها للتدخل في سورية على الأقل جوياً، فهل ستكون سوريا الخطوة التالية للقوات الأمريكية؟