القطري "المُمَكين"

كلمة "مُمكين" ضمة قوية فوق الميم الأولى" جاءت من لفظ ماكينة الدارجة؛ وهي الآلة التي تعمل عند تشغيلها بصورة منتظمة متماثلة لا تحيد عنها، فهي بالتالي تدل على حالة من الثبات حتى يجري تطويرها أو استبدالها. الآن، هناك شعوب كانت" مُمَكينة" كشعوب المنظومة الشيوعية السابقة نظراً لشمولية النظام، وما أن سقط هذا النظام حتى خرجت هذه الشعوب من" مكينتها"وأبدعت وطورت من مؤسساتها ونظمها. لا أقصد هنا بالمَكينة "فتحة على الميم": روتين العمل اليومي ولكن العقلية وطريقة التفكير، عندما" تمكين" طريقة التفكير أو العقلية غير عابئة بالظروف المحيطة ومتغيراتها تصبح أقصر الطرق للضياع وربما الانقراض. طبعا العقلية تمكين ماديا فقط في أحسن حالاتها، وليس في أسوأ ظروفها ولكن فكرياً ليس بالضرورة حدوث ذلك، بل إن الملاحظ أن نموذج العصر الذهبي لكل حضارة هو ما يسيطر عليها في هذه الناحية هذه طبيعة، فالبعد التاريخي قاتل هنا حتى وإن أصبح في خبر كان، فقر الحاضر يمجد الماضي بل ويقدسه. أكثر الشعوب مقاومة للمكينة هو الشعب الفرنسي، ففي كل عقد له انتفاضة ضد المكينة، شعوبنا العربية قاطبة ممكينة بامتياز تنتظر التغيير دون أن تغير من أنفسها، ما يخرجها من إطار المكينة هو تغير الطبيعة ويد القدر فقط. من يلاحظ مجتمعنا القطري الصغير يلحظ مكينته بامتياز واضح، كما يندهش لنمطية سلوكياته المتكررة، ونفوره كغيره من المجتمعات التقليدية من الوافد الجديد؛ سواء فكراً أو ثقافة، من يتابع ما يكتب في المنتديات أو حتى الصحف يجد ذلك واضحاً، الفكر المُمكين شمولي وغاضب عندما يمس. لازلت اتذكر الردود الصاخبة الغاضبة على مقال منذ عدة سنين لأحد الكتاب حول النقاب، قلة فقط من رد بعقلانية، أما الأكثرية فأحتشدت وراء فكر الماكينة المبرمج، وكنت أحد من رد عليه ولكن بعقلانية. طبعاً لست مع مهاجمة عقائد الناس أيا كانت ولست مع تجريح معتقدات أياً كان مصدرها، ولكني مع كسر آلية التفكير الشمولي الذي يرى أن الحقيقة بالنسبة للجميع واحدة وشاملة بحيث من يرى جزءاً معيناً دون غيره لا يمكن قبوله وعليه يبدأ الهجوم والتندر.. على كل حال، من الأهمية بمكان أن يكون الوعي بأن التغيير نوعان: تلقائي ومدروس، الأول تراكمي، ولكن الثاني يتطلب تدخلاً وسياسات، ومن الأهمية القصوى بمكان أن لا يتصادما في اتجاه معاكس، بمعنى أن يكون المدروس من المرونة بمكان أن يهضم التلقائي ويساعد على تهذيبه وعصرنته. [email protected]