10 نوفمبر 2025

تسجيل

«الله لا يحوجني لكم»

23 يناير 2022

كثيراً ما تتردد مؤخراً جملة «الله لا يحوجني لأحد»، أو عبارة «عش لنفسك»، وهي عبارات تحمل دلائل ومعاني مخالفة لطبيعتنا الإنسانية التي خلقنا الله عليها، وتخالف المبادئ الدينية التي أمرنا الله بها، فقد خلقنا الله شعوباً وقبائل لنتعارف ونتآلف ونقف كالبنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضاً، فيتكاتف في مواجهة متاعب ومشاق الحياة، ولكن انتشار مثل هذه العبارات ونحوها يدعو ويشجع على غير هذه الطبيعة وينافي المبادئ التي أقرها الله ورسوله في حدوث التفاعل الإيجابي بين بني البشر، وقد يمر الإنسان بمشكلات كسوء تعامل أو اختلاف في أمر ما خلال علاقاته بالآخر، فيستاء ويتضايق، وهنا الاختبار الحقيقي للعلاقات، فبينما يحرص القليل على معالجتها وتجاوزها، هناك الكثير ممن يتخلص من علاقاته بأسهل من رشفة الماء، فينسى الأوقات الجميلة والذكريات السارة والأحاديث المؤنسة ويتذكر فقط الإساءة أو الهفوة، ويتمسك بها ويكبر صورتها بعدسته، فيعيرها اهتمامه، ويجتر مشاعر الغضب والكبرياء ويشهر أسلحة العداء والضغينة، فتتملك روحه فلا يعاود النظر إلى سواها. من ناحية أخرى قدمت التكنولوجيا آلية سحرية وسريعة خاطفة للأبصار مبهرة للعقول للتخلص من أي علاقة، أو أي شخص لا تريده في حياتك بعد الآن، فمن خلال لمسة واحدة يُنفى من عالمك، ويقصى عن مداراتك، فليس أيسر من عمل «البلوك» وحظر سريع من على الهاتف أو من جميع حساباتك التواصلية على المنصات الافتراضية، وهكذا تتخلص منه برشاقة وخفة، يا لها من طريقة سحرية حقاً!، ولكن ماذا لو حظرت كل شخص أخطأ في حقك أو بدر منه ما يزعجك؟ كم منهم سيتبقى على هاتفك؟ ستجد نفسك في آخر المطاف وحيداً في عالم افتراضي لا يعترف بالوحدة. ومما يدعو للأسى أن مثل هذه العبارات تجد رواجاً كبيراً في المجتمع، مما يعمق تجذرها في النفوس، فتُسلم بها على أنها حقيقة، وربما تنمسخ إلى معتقدات مضللة، وبصفة خاصة لدى الصغار، حين يترعرعون على سماع شعاراتها الموبوءة من ذويهم، فيؤمنون بها، ويتعاملون مع الآخرين على أساسها، فتتمظهر هذه المعتقدات في المواقف التي قد يمرون بها مع أقرانهم، من شجار عابر أو تصرف عبثي في غير محله، فيبادر الوالدان إلى تضخيمه في نفوسهم، وتقريره في عقولهم، فيأمرونهم بالابتعاد أو بقطع صلتهم بمن قد أخطأ في حقهم، متجاهلين أن الصغار بقلوبهم البريئة سرعان ما ينسون الإساءة، وسريعاً ما يشتاقون للعب مرة أخرى مع أصحابهم، فالأطفال يخطئون فيتعلمون، ويأتي التعلم نتيجة الاحتكاك والتجربة، ولذلك ينشأ الطفل بعدد محدود من الأصدقاء الذين يتشابهون معه في نفس الصفات، وبالتالي يفتقد التعامل مع الآخر المختلف حتى يتعلم منه وينمو، وكثيراً ما يقحم الكبار أطفالهم في مشكلاتهم بشكل أو بآخر، فيكون الأطفال أكباشاً للمحرقة، وضحية للعناد والغطرسة، وتبدأ سلسلة من الممارسات الديكتاتورية والتسلط المريض تفرض على هؤلاء الأطفال، وتمتد لتطول بيد الاستبداد تواصلهم الافتراضي! فكيف تفعلون ذلك؟! إنهم أطفال أبرياء إلا من أخطاء ذويهم!، وهنا يتم ترسيخ هذا المعنى دون إدراك، فلمَ هذه العنجهية والطغيان؟ ولم هذا التدخل وهتك براءة وطهر نفوس الصغار؟، حري بنا أن نستغل مثل هذه المواقف لنغرس في نفوس الصغار عروق المغفرة والعفو، والإحسان وبالصبر على مكاره الآخرين، التي فيها من الأجر العظيم، والدعاء لهم لا عليهم، فرفقاً بقلوبكم وقلوب صغاركم، تسامحوا وتصافوا وتوادوا فكل من عليها فان. وليس من الحكمة أن ينشأ جيل بأكمله على القطيعة والتنافر والانعزال، وعلى التكبر والاستياء السريع غير المبرر من أي هفوة أو زلة، دون أثر يذكر للتراحم والتواد والصبر على الآخر الذي أمرنا به المولى عز وجل، وحثنا عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم، غير أن التنظيف هو ترياق تلك السلوكيات المزعجة، إذ يتحتم علينا تنظيف العلاقات أولاً بأول، فلا ندع عوالق الغضب وسوء الظن والحسد تملأ أفئدتنا، وتحرق جميل قلوبنا، فإن تراكم هذه المشاعر السلبية، يؤدي إلى البغض والكراهية بمرور الوقت، ولهذا نجد أن العلاقات دائماً تبدأ جميلة مشرقة، وبمرور المواقف والمشكلات دون علاجها، تنتهي كارثية مسمومة، ولهذا لا تكتم شيئاً في نفسك تجاه أي شخص على علاقة بك، العلاقة هنا تتمفصل حول الأسلوب الذي ينبغي لك أن تختاره بعناية لإيصال مشاعرك وأفكارك دون أن تزيد الطين بلة، وعلى الطرف الآخر أن يتسع صدره لاستقبال عتاب الآخر، وأن يقبل به، ويستبدل فكرة الانتقاد والهجوم والاتهام، بفكرة المحبة والحرص على العلاقة، اخلق فرصة للعتاب، بادر بسؤال صاحبك إذا بدا منه تغيير، لا تتجاهله، فلربما كان أكثر توقاً ورغبة إليك، اجمع ولا تفرق. علاقاتنا اختبارات لنا يقول تعالى «وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا» الإقرار الإلهي واضح في الآية الكريمة ومع هذا الإقرار بالمشكلة جاء العلاج في نفس الآية «أتصبرون»، خيركم من صبر وسامح واحتسب وأجره على الله.. دمتم بود. [email protected]