06 نوفمبر 2025

تسجيل

يحدث في هذه الأثناء..

23 يناير 2012

طغت الأزمة مع إيران على كل الاهتمامات في العالم الغربي وهذا بديهي، لأنها تتعلق بالنفط وإمداداته وأسعاره وسط أزمة مالية واقتصادية لم يسلم منها أي بلد "متقدم"، بمعنى منظم إدارة وتخطيطا، لكن طبعا، لا يزال هناك انشغال بالأزمة السورية، لأنها أولاً طرحت مسألة أخلاقية من جراء استمرار المجزرة الجارية "بالتقسيط المريح"، وثانياً لأنها تلح على ضرورة بقاء "الربيع العربي" في سياقه التغييري، وثالثاً: وهذا الأهم – لأنها تداخلت مع الأزمة الإيرانية سواء في التفاصيل أو في التوتير الإقليمي أو في المقاربة الجيو-سياسية الأشمل. في يوم واحد استعد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي لاتخاذ قرارين. أولهما يزيد من تشديد العقوبات على النظام السوري بإضافة أسماء مؤسسات وشخصيات سورية تتعامل معه أو تدعمه في "الحل الأمني"، الذي يطبقه منذ أكثر من عشرة شهور، أما القرار الآخر فهو الأخطر لأنه سيفرض حظراً على النفط الإيراني، وهو ما تعتبره طهران بمثابة إعلان حرب طالما أنه سيحرمها من جزء مهم من مواردها، كما أنه مضافاً إلى حظر التعامل مع مصرفها المركزي يهدف إلى شل اقتصادها ورغم أن الدول الغربية وإيران نفسها دخلت في مزاج التصعيد ثم بادرت إلى تخفيفه، إلا أن الطرفين أكدا حزمهما سواء في ترجيح احتمال إغلاق مضيق هرمز أو التصميم على منع هذا الإغلاق، إذاً، فالأزمة قائمة، أما الحرب فمتوقعة ومستبعدة في آن. لكن، في هذه الأثناء، يحدث في فلسطين والعراق والسودان ما لا تسلط عليه الأضواء الرئيسية للاعلام، رغم مخاطره، وإذا كان السودان يمضي السنة الأولى انفصالا على نحو مضطرب، فإن السنوات المقبلة، لا تبدو واعدة بسلام هادئ ومستقر. فلا الحكم القائم في الشمال أدرك أن عليه استحقاقات واجبة لإصلاح أوضاعه، ولا الحكم الجديد في الجنوب اعترف بأن مصالحه الحيوية تستوجب متابعة الحوار مع الشمال لإقامة أفضل علاقات التعاون طالما أن الانفصال قد حصل وأن الكثير من الشؤون المتداخلة تتطلب حلولاً واتفاقات سياسية لا عسكرية. فالحاصل أن نظام الخرطوم كما نظام جوبا، يستخدم كل منهما خلافه السابق مع الآخر للتغطية على عجزه عن مواجهة مشاكله الحقيقية. ورغم وجود مبررات موضوعية لاستمرار الصراع، لا يمكن لحكام الخرطوم تأجيل الإصلاح المطلوب لـ"الديمقراطية"، السودانية بحجة أن البلد لايزال يخوض حرباً مع "متمردي" الجنوب، ولا يمكن لحكام جوبا التذرع بالملفات الساخنة غير المحسومة مع الشمال وكأنها وحدها السبب في عرقلة الإقلاع بالتنمية، كما أن شيئاً لا يبرر هذا الإقحام لإسرائيل في خطوة تشهر إصراراً على العداء المستقبلي الدائم للشمال. أما وقد انقسم السودان، فها هو العراق يبدي مؤشرات للتشظي إلى ثلاث دول، أو إلى دويلات عدة، ويتساوى في ذلك أن يطلق اسم "الفدرلة" الدستورية على ما يحتمل حدوثه، أو اسم "الانفصال" كما هو في حقيقة الأمر، وإذ جرى تظهير الانسحاب الأمريكي وكأنه نتيجة معركة عسكرية حاسمة انتهت بهزيمة للطرف المنسحب، فقد تبين أن المشاكل الحقيقية هي بين "المنتصرين" أنفسهم. صحيح أن الاحتلال الأمريكي كان سبباً وأداة وغطاء للانقسامات العميقة التي ضربت المجتمع العراقي، وصحيح أيضاً ما كان يقال من أن حالة الاحتلال شكلت حاجزاً أمام السعي إلى "توافق وطني" لكن الأصح أن المنتصرين على النظام السابق، بفضل الغزو الأمريكي، هم الذين زرعوا في الدستور وبالممارسات اليومية للحكم وبالاستقواء بالمحتل كل بذور التفرقة والشقاق التي ما لبثت أن ظهرت نتائجها السيئة بعد ساعات فقط على انسحاب قوات الاحتلال. لم تبدأ الأزمة العراقية باتهام نائب الرئيس طارق الهاشمي بالتورط في "دعم الإرهاب" لكن هذا الاتهام فجّرها على نحو لا علاقة له بتفعيل ما يسمى "دولة القانون" وإنما بتفعيل "دولة نوري المالكي"، وحزبه ومن يدعمه من الخارج (وفي الداخل أيضاً) أي إيران. إذ أن رئيس الوزراء، الذي لم يعد يختلف اثنان في العراق على أنه يتصرف كحاكم فرد، يريد فرض نظام جديد يقوم على موازين القوى، لا على الدستور والتوافق الوطني. ولا ترجمة مفهومة لـ"موازين القوى"، سوى أن يخضع السنة للحكم الشيعي بقواه العسكرية والأمنية النظامية، وكذلك بميليشياته العديدة الموازية، ولو أن المنطق منطق دولة ودستور وقانون ومساواة بين المواطنين لما كان هناك أي إشكال، أما وان المنطق والممارسة والتطبيق طائفية ومذهبية فإن الأمر يختلف، هذه هي المعضلة التي يواجهها "المؤتمر الوطني"، المزمع عقده بمساع كردية، لكن المالكي لا يعترف بهذه المعضلة ولن يتردد في نسف هذا المؤتمر بدليل أنه مستعد لحكومة من لون سياسي واحد، الوضع في العراق يستوجب المتابعة. كذلك الوضع الفلسطيني الذي يتطلب عناية فائقة لمحاولات رأب الصدع الذي حصل فعلاً قبل نحو خمسة أعوام، وكان متوقعاً أن تجد حركتا "فتح"، و"حماس"، صعوبات في معالجته. والمشكلة مزدوجة فحتى لو تم التوافق فلسطينياً على كل الملفات، بات على الطرفين ولاسيما "فتح"، وبالتالي السلطة الفلسطينية نفسها أن تدفع ثمناً للمصالحة التي يرفضها الأمريكيون والإسرائيليون علناً، وهؤلاء لا يخفون أنهم سيقابلون السلطة إن تصالحت مع "حماس" بإجراءات عقابية، مضافة إلى الإجراءات التي باشروها ضدها بسبب التوجه إلى الأمم المتحدة للحصول على الاعتراف بـ"الدولة الفلسطينية"، ويبدو أن واشنطن التي شجعت الأردن على تسهيل عقد "لقاءات استكشافية" بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتبين أنها لن تتوصل إلى أي تقدم يدفع إلى استئناف المفاوضات، تريد الآن وبإيعاز إسرائيلي أن تستمر هذه اللقاءات لتشكل ذريعة لتعطيل التحرك تجاه الأمم المتحدة أو تعرقل المصالحة مع "حماس" أو الإثنين معاً. ورغم اقتناع جميع الأطراف العربية بضرورة تحقيق المصالحة، وعدم ممانعتها سعي السلطة إلى اعتراف بـ"الدولة"، إلا أن العرب لم يتمكنوا من تشكيل ضغط على الأمريكيين لترك الفلسطينيين يحركون قضيتهم بالطريقة التي يعتقدون أن فيها مصلحة وطنية لهم، كل ما تعرضه واشنطن حالياً هو الجمود إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، وعندئذ سيعاود باراك أوباما مساعيه على أمل أن يفلح في الولاية الثانية بإنجاز ما أخفق فيه في الأولى، أكثر من ذلك، حتى لو قبل الفلسطينيون بالجمود والتزموا الصبر فإن الإسرائيليين يواصلون الاستيطان وتهويد المناطق التي لا ينوون الانسحاب منها بموجب أي حل نهائي، سيخطئ العرب إن هم راعوا رغبات إدارة أوباما،وما عليهم سوى أن يدعموا الاتجاه إلى المصالحة الفلسطينية باعتبارها استحقاقاً لا علاقة له بالمفاوضات مع الإسرائيليين.، لأنها أولاً طرحت مسألة أخلاقية من جراء استمرار المجزرة الجارية "بالتقسيط المريح"، وثانياً لأنها تلح على ضرورة بقاء "الربيع العربي" في سياقه التغييري، وثالثاً: وهذا الأهم – لأنها تداخلت مع الأزمة الإيرانية سواء في التفاصيل أو في التوتير الإقليمي أو في المقاربة الجيو-سياسية الأشمل. في يوم واحد استعد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي لاتخاذ قرارين. أولهما يزيد من تشديد العقوبات على النظام السوري بإضافة أسماء مؤسسات وشخصيات سورية تتعامل معه أو تدعمه في "الحل الأمني"، الذي يطبقه منذ أكثر من عشرة شهور، أما القرار الآخر فهو الأخطر لأنه سيفرض حظراً على النفط الإيراني، وهو ما تعتبره طهران بمثابة إعلان حرب طالما أنه سيحرمها من جزء مهم من مواردها، كما أنه مضافاً إلى حظر التعامل مع مصرفها المركزي يهدف إلى شل اقتصادها ورغم أن الدول الغربية وإيران نفسها دخلت في مزاج التصعيد ثم بادرت إلى تخفيفه، إلا أن الطرفين أكدا حزمهما سواء في ترجيح احتمال إغلاق مضيق هرمز أو التصميم على منع هذا الإغلاق، إذاً، فالأزمة قائمة، أما الحرب فمتوقعة ومستبعدة في آن. لكن، في هذه الأثناء، يحدث في فلسطين والعراق والسودان ما لا تسلط عليه الأضواء الرئيسية للاعلام، رغم مخاطره، وإذا كان السودان يمضي السنة الأولى انفصالا على نحو مضطرب، فإن السنوات المقبلة، لا تبدو واعدة بسلام هادئ ومستقر. فلا الحكم القائم في الشمال أدرك أن عليه استحقاقات واجبة لإصلاح أوضاعه، ولا الحكم الجديد في الجنوب اعترف بأن مصالحه الحيوية تستوجب متابعة الحوار مع الشمال لإقامة أفضل علاقات التعاون طالما أن الانفصال قد حصل وأن الكثير من الشؤون المتداخلة تتطلب حلولاً واتفاقات سياسية لا عسكرية. فالحاصل أن نظام الخرطوم كما نظام جوبا، يستخدم كل منهما خلافه السابق مع الآخر للتغطية على عجزه عن مواجهة مشاكله الحقيقية. ورغم وجود مبررات موضوعية لاستمرار الصراع، لا يمكن لحكام الخرطوم تأجيل الإصلاح المطلوب لـ"الديمقراطية"، السودانية بحجة أن البلد لايزال يخوض حرباً مع "متمردي" الجنوب، ولا يمكن لحكام جوبا التذرع بالملفات الساخنة غير المحسومة مع الشمال وكأنها وحدها السبب في عرقلة الإقلاع بالتنمية، كما أن شيئاً لا يبرر هذا الإقحام لإسرائيل في خطوة تشهر إصراراً على العداء المستقبلي الدائم للشمال. أما وقد انقسم السودان، فها هو العراق يبدي مؤشرات للتشظي إلى ثلاث دول، أو إلى دويلات عدة، ويتساوى في ذلك أن يطلق اسم "الفدرلة" الدستورية على ما يحتمل حدوثه، أو اسم "الانفصال" كما هو في حقيقة الأمر، وإذ جرى تظهير الانسحاب الأمريكي وكأنه نتيجة معركة عسكرية حاسمة انتهت بهزيمة للطرف المنسحب، فقد تبين أن المشاكل الحقيقية هي بين "المنتصرين" أنفسهم. صحيح أن الاحتلال الأمريكي كان سبباً وأداة وغطاء للانقسامات العميقة التي ضربت المجتمع العراقي، وصحيح أيضاً ما كان يقال من أن حالة الاحتلال شكلت حاجزاً أمام السعي إلى "توافق وطني" لكن الأصح أن المنتصرين على النظام السابق، بفضل الغزو الأمريكي، هم الذين زرعوا في الدستور وبالممارسات اليومية للحكم وبالاستقواء بالمحتل كل بذور التفرقة والشقاق التي ما لبثت أن ظهرت نتائجها السيئة بعد ساعات فقط على انسحاب قوات الاحتلال. لم تبدأ الأزمة العراقية باتهام نائب الرئيس طارق الهاشمي بالتورط في "دعم الإرهاب" لكن هذا الاتهام فجّرها على نحو لا علاقة له بتفعيل ما يسمى "دولة القانون" وإنما بتفعيل "دولة نوري المالكي"، وحزبه ومن يدعمه من الخارج (وفي الداخل أيضاً) أي إيران. إذ أن رئيس الوزراء، الذي لم يعد يختلف اثنان في العراق على أنه يتصرف كحاكم فرد، يريد فرض نظام جديد يقوم على موازين القوى، لا على الدستور والتوافق الوطني. ولا ترجمة مفهومة لـ"موازين القوى"، سوى أن يخضع السنة للحكم الشيعي بقواه العسكرية والأمنية النظامية، وكذلك بميليشياته العديدة الموازية، ولو أن المنطق منطق دولة ودستور وقانون ومساواة بين المواطنين لما كان هناك أي إشكال، أما وان المنطق والممارسة والتطبيق طائفية ومذهبية فإن الأمر يختلف، هذه هي المعضلة التي يواجهها "المؤتمر الوطني"، المزمع عقده بمساع كردية، لكن المالكي لا يعترف بهذه المعضلة ولن يتردد في نسف هذا المؤتمر بدليل أنه مستعد لحكومة من لون سياسي واحد، الوضع في العراق يستوجب المتابعة. كذلك الوضع الفلسطيني الذي يتطلب عناية فائقة لمحاولات رأب الصدع الذي حصل فعلاً قبل نحو خمسة أعوام، وكان متوقعاً أن تجد حركتا "فتح"، و"حماس"، صعوبات في معالجته. والمشكلة مزدوجة فحتى لو تم التوافق فلسطينياً على كل الملفات، بات على الطرفين ولاسيما "فتح"، وبالتالي السلطة الفلسطينية نفسها أن تدفع ثمناً للمصالحة التي يرفضها الأمريكيون والإسرائيليون علناً، وهؤلاء لا يخفون أنهم سيقابلون السلطة إن تصالحت مع "حماس" بإجراءات عقابية، مضافة إلى الإجراءات التي باشروها ضدها بسبب التوجه إلى الأمم المتحدة للحصول على الاعتراف بـ"الدولة الفلسطينية"، ويبدو أن واشنطن التي شجعت الأردن على تسهيل عقد "لقاءات استكشافية" بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتبين أنها لن تتوصل إلى أي تقدم يدفع إلى استئناف المفاوضات، تريد الآن وبإيعاز إسرائيلي أن تستمر هذه اللقاءات لتشكل ذريعة لتعطيل التحرك تجاه الأمم المتحدة أو تعرقل المصالحة مع "حماس" أو الإثنين معاً. ورغم اقتناع جميع الأطراف العربية بضرورة تحقيق المصالحة، وعدم ممانعتها سعي السلطة إلى اعتراف بـ"الدولة"، إلا أن العرب لم يتمكنوا من تشكيل ضغط على الأمريكيين لترك الفلسطينيين يحركون قضيتهم بالطريقة التي يعتقدون أن فيها مصلحة وطنية لهم، كل ما تعرضه واشنطن حالياً هو الجمود إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، وعندئذ سيعاود باراك أوباما مساعيه على أمل أن يفلح في الولاية الثانية بإنجاز ما أخفق فيه في الأولى، أكثر من ذلك، حتى لو قبل الفلسطينيون بالجمود والتزموا الصبر فإن الإسرائيليين يواصلون الاستيطان وتهويد المناطق التي لا ينوون الانسحاب منها بموجب أي حل نهائي، سيخطئ العرب إن هم راعوا رغبات إدارة أوباما،وما عليهم سوى أن يدعموا الاتجاه إلى المصالحة الفلسطينية باعتبارها استحقاقاً لا علاقة له بالمفاوضات مع الإسرائيليين.