07 نوفمبر 2025
تسجيلبعض الذين يتولون مناصب جديدة يقولون ما لا يفعلون، ابتداء برؤساء الدول في حملاتهم الانتخابية، ومرورا بالوزراء المعينين بقرارت رسمية، وكذلك المكلفين بإدرات عليا، ومن يليهم من القيادات في إداراتهم ومؤسساتهم المختلفة، وانتهاء بأصغر موظف أو عامل تكلفه بعمل ما ويعدك بأدائه على أفضل وجه، ثم تفاجأ بأن بين وعودهم والواقع بون شاسع، عندما لا يفون بوعودهم كما يجب ان يكون الوفاء. والسبب أن القول أسهل من الفعل، فمنهم من يعد وفي نيته مسبقا ألا ينفذ ما وعد به، وكل هدفه هو الحصول على المنصب وما يليه تحصيل حاصل، ومنهم من يجد نفسه مضطرا لعدم تنفيذ وعوده عندما لا تتوافر له آلية التنفيذ ومع ذلك يتمسك بالمنصب، ومنهم من يعرف مسبقا أنه لا يستطيع اتباع القول بالفعل لأن القول سهل وقصير سلمه، بينما الفعل صعب وطويل سلمه، ومنهم من يؤتى به لسد ثغرة معينة ولا يجد حيال ذلك إلا الوعود البراقة التي يطلقها ليطمئن العاملين معه، ومنهم من تستهويه البيانات الرنانة والخطب العصماء فينسى نفسه وينسى من يكون، ويطلق العنان لوعود أشبه بوعود عرقوب أو كما يقول المثل: مواعيد عرقوب، ومنهم من يتوهم أنه يستطيع أن يأتي بما لم تستطعه الأوائل، فيكذب على نفسه وعلى غيره، ومنهم من يكون كمن يلبس جلد أسد وهو أرنب. هذه الحالات وما يشبهها تثبت أن الكذب أحيانا يصبح وسيلة للوصول إلى منصب معين، لكن ما يغيب عن أذهان هؤلاء وأمثالهم أن الزمن كفيل بأن يظهر الحقيقة، لذلك يسقط الزعماء ويعفى الوزراء من مناصبهم ويعزل الموظفون عن وظائفهم، اما بالفصل أو النقل التأديبي، فالإنسان قد يستطيع أن يكذب مرة لكنه لا يستطيع أن يكذب في كل مرة، خاصة في الأمور التي تترتب عليها مصالح الناس وترتبط بشؤونهم الخاصة والعامة، والتاريخ والواقع حافلان بالنماذج التي كذبت ولم تلبث أن سقطت غير مأسوف عليها. والذين يعدون ولا يفعلون هم أولئك الذين لا يثقون بقدراتهم الذاتية، أو الذين يفتقدون أساسا تلك القدرات في مجال العمل الذي هم بصدد القيام به، أو كلفوا بالقيام به، وقديما قيل: رحم الله امرأ عرف قدر نفسه، فهذه المعرفة تحميه من السقوط في مصيدة الوعود التي لا تنفذ، وربما كانت للإنسان قدرات في مجال معين، ولكنه يركب سفينة المغامرة غير مأمونة العواقب، ليجد نفسه غارقا في مستنقع الكذب، ولو استخدم قدراته في مجالها لحقق نجاحا ربما لا يستطيع غيره أن يحققه، لكن هوس التنظير وإطلاق الوعود على عواهنها، وحب الذات، والهرولة نحو هوى النفس الأمارة بالسوء، كل ذلك يدفع بالإنسان إلى تجاهل الواقع، وما يعنيه من الفرق بين القول والفعل، لتصبح الوعود عادة مستحبة لديه، وتجاهل تلك الوعود سلوكا متبعا عنده، وهو لا يقف طويلا للتفكير في هذه العادة وهذا السلوك لانعدام الرقابة الذاتية في نفسه، وغياب الضمير الحي الذي يحاسب الإنسان على انحرافاته وأساليبه المعوجة في التعامل مع الحياة والناس. المؤسف أن نتيجة الأقوال التي لا تتبعها الأفعال غالبا ما تكون كارثية، لا لأنها فقط تزيح الثقة عن أصحابها، بل لأن لها ضحاياها الذين لا يمكن تجاهلهم، والذين قد يملكون من القوة ما يدفعهم إلى إسقاط من يقولون ما لا يفعلون، ليكون السقوط مدويا لا تقوم لهم بعده قائمة. أليس العمل الصالح هو الأبقى والأجدر بالتقدير، ولصاحبه الأجر والثواب، والعمل فعل، قال تعالى: (من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور). [email protected]