04 نوفمبر 2025
تسجيلفي لحظات الفرح العميم والفخر العظيم، تتعثر الكلمات، تتلعثم العبارات، ويعجز اللسان عن التعبير. هكذا أشعر كلما سألني أحدهم عن رأيي في احتضان قطر العزيزة كأس العالم لكرة القدم 2022. كيف لا، وبفضل احتضانها المونديال، أضحت دولة قطر حديث كل ألسنة العالم، وأصبح اسمها مادة دسمة تتناقلها شفاه عشاق الساحرة المستديرة في جميع أنحاء المعمورة. لقد كنت دوماً فخورة بانتمائي لهذا البلد العظيم، مسحورة بكوني جزءاً من هذه الأرض الطيبة، لكنني اليوم أشد فخراً، وأكثر اعتزازاً، لأننا حققنا ما يُعدُّ في نظر غيرنا مستحيلاً، ونجحنا - رغم الصعوبات والإكراهات - في تنظيم أكبر عرس رياضي على الكرة الأرضية، ويا له من إنجاز. إن ما يميز قطر وأهلها منذ القِدم، هو شجاعتهم في خوض التحديات، وإقدامهم على مواجهة العقبات، وعدم ترددهم لحظةً واحدة في كسر الصعوبات، لتحقيق أرقى النتائج وأفضل الإنجازات. وإذا أسقطنا هذه الخصال على موضوع المونديال، نجد أنه ومنذ الوهلة الأولى، آمنت قطر بحظوظها في التنظيم ففازت، وتغاضت عن الانتقادات فأسَّستْ وبَـنَـتْ وشيدتْ، وتجاهلت المشككين والحاقدين والحاسدين، فواصلت المسير على درب المجد وطريق الفلاح حتى النهاية. ومثلما نجح البلد في ربح معركة البناء والنماء استعداداً لانطلاق العرس العالمي، نجح أيضاً في كسب رهان استقبال الوفود، وتنظيم مبهر للمباريات، وهو ما سيشكل بداية لنجاحات مستقبلية في تنظيم أرقى التظاهرات العالمية، رياضيةً كانت، أو سياسيةً أو اقتصادية. ولأننا لا نتحدث من فراغ، فإن الشواهد الميدانية كثيرة، والدلائل على الأرض متاحة لمن كان في قلبه شك، أو أراد التمحيص وهو شهيد. ووفاءً منها بالتزاماتها أمام الفيفا، وتفعيلاً لما وقعت عليه في دفتر التحملات قبل سنوات، نجحت قطر في تشييد ملاعب رياضية بتصميمات عالمية مبتكرة، تمزج بطريقة ساحرة بين فن المعمار القطري، والموروث الشعبي الحضاري، والثقافة الوطنية الغنية والمتنوعة، وهو ما يجعل منها ملاعب كرة قدم استثنائية، وتحفاً هندسية تأسر القلوب قبل العيون. وبالإضافة إلى تشييد الملاعب الخاصة بمونديال 2022، وانطلاقاً من رؤية قطر الوطنية 2030، يساهم احتضان بلدنا لهذا الحدث العالمي في إحداث قفزة نوعية، وتحول جذري، على مستوى البنية التحتية الوطنية. ويتجلى ذلك بالأساس في مشاريع كبرى من قبيل بناء مترو الدوحة، وتوسعة مطار حمد الدولي، وإنشاء شبكات جديدة للطرق، وتشييد المزيد من الفنادق وغيرها. وبفضل المونديال أيضاً، تم الإعلان حتى الآن عن افتتاح أكثر من 30 فندقاً ومنتجعاً ووجهة سياحية جديدة في البلاد. وتشمل فضاءات الترفيه هذه مواقع سياحية مثل جزيرة المها، وونتر وندرلاند، وجزيرة قطيفان الشمالية وغيرها، وهو ما سيسهم بشكل واضح في تعزيز النهضة الاقتصادية والمسيرة التنموية بقطر على المدى الطويل. ولأن قطر بلد عربي بهوية إسلامية متفردة، فإن احتضانها للمونديال حدث استثنائي بكل المقاييس. فلأول مرة في التاريخ، تُسند مهمة التنظيم لبلد عربي إسلامي، ولأول مرة أيضاً، ينظم هذا الحدث الضخم في منطقة الخليج والشرق الأوسط بما لهما من خصوصيات جغرافية وثقافية وحضارية. وانطلاقاً من ذلك، ننتظر كقطريين من ضيوفنا الأعزاء أن يقدروا الفوارق الثقافية، ويحترموا الخصوصيات المجتمعية، وأن يتأقلموا مثلما نفعل نحن العرب، مع عادات وتقاليد من يستضيفوننا ويستقبلوننا بترحاب كبير وأذرع مفتوحة. كما شكل الحدث لقاءً استثنائياً، ونجاحاً مثالياً للمنظمين والمشاركين والزائرين الحالمين بمونديال مختلف، تطبعه الروح الإيجابية، وتميزه الأجواء الاحتفالية، بثوب قطري ولمسة عربية، شعارها الاحتفال والاحتفاء بالتنافس الشريف تحت مظلة الروح الرياضية. وفي هذا الإطار، سيشكل مونديال 2022 فرصة مثالية ليتعرف الكثيرون على قطر بشكل شخصي، بعيداً عن التصورات المغلوطة والأحكام المسبقة. كما سيشكل مناسبة حقيقية ليكون كل قطري، أثناء احتكاكه بضيوف هذا العرس الكروي، سفيراً مشرفاً لبلده سلوكاً وأخلاقاً ومعاملةً. أما على الميدان، ومثلما نفعل في كل المسابقات، سنتابع مباريات العنابي بنفس الشغف أو أكثر، وكلنا أمل في تحقيق الانتصارات، والتأهل لمراحل متقدمة في البطولة، ولم لا يكون الفوز بها ولو على سبيل المفاجأة؟! وعلى ذكر المفاجآت، ومن ميزات مونديال قطر 2022 أنه سيشهد وللمرة الأولى في تاريخ اللعبة، حضور التحكيم النسائي عبر 3 حكام سيدات و3 أخريات مساعدات لهن في إدارة بعضٍ من مباريات هذا المحفل الدولي الكبير. وهي فرصة تاريخية لهؤلاء النسوة لترك انطباع طيب عما وصلت إليه المرأة من تطور وتقدم في مختلف المجالات، بما فيها تلك التي ظلت حتى وقت قريب حِكراً على الرجال. ومما لا شك فيه أن اللمسة القطرية ستكون حاضرة في هذا المحفل العالمي من خلال الأجواء داخل وخارج الملاعب وما يصاحبها من فعاليات ثقافية وترفيهية متنوعة كمهرجان فيفا للمشجعين في حديقة البدع على سبيل المثال لا الحصر. وبشكل عام، سيشكل مونديال قطر 2022 عرساً عالمياً بثوب احتفالي، تبني من خلاله قطر جسراً للمحبة والإخاء بين الشرق والغرب، وتكتب عَبره بحروف من ذهب قصة حلم أبى الساهرون على هذا البلد - وعلى رأسهم حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني - إلا أن يحوّلوه إلى حقيقة ساطعة وواقع نعيشه بعز كبير وافتخار لا يُضاهى.