14 نوفمبر 2025
تسجيلخلال تجمعات انتخابية، في بعض الولايات الأمريكية، بدا الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب)، وقد تخلّص من القفازات الدبلوماسية والأعراف الدولية، ووجّه إهانات لا تُحصى للقيادة السعودية، وللملك سلمان بن عبدالعزيز شخصيًا، خرجت عن اللياقة والعُرف الدبلوماسي. فيما يبدو أنها «نغمة» جديدة، لم يعزفها أي رئيس أمريكي سابق، طيلة الثمانين عامًا الماضية، حيث العلاقات «المتميزة» بين الرياض وواشنطن. ومطالبة (ترامب) علنًا، وبكلّ عنجهية، السعودية بأن تدفع، أكثر مما تدفعه الآن، نظير الحماية الأمريكية لها، وصلت إلى حد التهديد العلني، الذي لم يوجّهه أيُّ رئيس أمريكي للسعودية. فقد قال (ترامب)، في لقائه الانتخابي، في ولاية (مينسوتا): «إن الرياض، ستدفع مزيدًا من الأموال مقابل الحماية الأمريكية». وأضاف:» نحن ندافع عن دول ثرية للغاية، لا تقوم بتعويضنا، كل ما يدفعونه نسبة ضئيلة للغاية»، يقصد 30%. وأشار (ترامب) إلى أنه قال للملك سلمان بن عبدالعزيز:»معذرة، هل تمانع في دفع المال مقابل قواتنا، هل تمانع في الدفع». فرد عليه الملك سلمان:» لا أحد طلب مني ذلك». قال (ترامب): «أنا أطلب أيها الملك! قال الملك حينها: « هل أنت جاد؟»، فردّ عليه (ترامب): « إنني جادٌّ للغاية». وكشف (ترامب) قبل ذلك، وخلال تجمّع انتخابي له في ولاية (فرجينيا)، عن أنه قال للملك سلمان، « ربما لن تكون قادرًا على الاحتفاظ بطائراتك، لأن السعودية ستتعرض للهجوم، لكن معنا، أنتم في أمان تام، لكننا لا نحصل في المقابل، على ما يجب أن نحصل عليه». وسبق ذلك، تحذيرٌ للملك سلمان من الرئيس (ترامب)، بأنه «لن يبقى في السلطة لأسبوعين، دون دعم الجيش الأمريكي!؟». ورأت وسائل إعلام أمريكية أن هذا الهجوم الكاسح على الملك سلمان، وصل إلى حدّ الإهانة، التي لم تردّ عليها السعودية رسميًا ومباشرة، إلا عبر تصريح لولي العهد السعودي ( محمد بن سلمان) الذي علّق على كلام (ترامب)، حول انهيار حُكم الملك سلمان، في لقاء له مع وكالة (بلومبيرغ) الأسبوع الماضي، بأنه (غير دقيق). مشيرًا إلى أن علاقة بلاده مع الولايات المتحدة جيدة 99%، وهنالك إشكالية واحدة!. وأضاف ولي العهد السعودي ان بلاده تشتري أسلحةً بأموالها، ولا تأخذها مجانًا من واشنطن، ولن تدفع شيئًا مقابل أمنها»!؟ وفي تبرير، لما أعلنه (ترامب) قلَّلَ ولي العهد السعودي من شأن الاختلافات مع واشنطن، بقوله:» علينا أن نقبل بأن أي صديق، يقول أشياء إيجابية وأشياء سلبية، يمكن أن يحصل سوء تفاهم، ونحن نضع تلك التصريحات في هذه الخانة». وأكد على أنه « يُحبّ العمل مع (ترامب). ورأى ( محمد بن سلمان) أن التهديدات الأمريكية لن تؤثر على بلاده، وقال: « المملكة العربية السعودية استطاعت حماية مصالحها، في عهد الرئيس ( باراك أوباما)، الذي عمل ضد أجندة الرياض، لمدة ثماني سنوات». واعتبر أن الرياض نجحت، فيما فشلت واشنطن. يرى بعض المحللين، أن (ترامب) يمهّد لفترة ما بعد الملك سلمان، بإطلاقه مثل تلك التهديدات والإهانات، ولتثبيت حُكم الملك القادم (محمد بن سلمان)، بعد أن تمت إزاحة ولي العهد الشرعي ( محمد بن نايف) عن ولاية العهد. كما يبدو أن المنطقة بأسرها مقبلة على تطورات، لم تعهدها من قبل، خصوصًا بعد الزيارة القصيرة التي قام بها ولي العهد السعودي إلى دولة الكويت، والمحادثات التي أجراها بشأن المنطقة الحدودية، ونزاعها المؤجل، لحتميات تاريخية وموضوعية، بين السعودية ودولة الكويت، منذ حرب تحرير الكويت. لأن إثارة الموضوع في هذا الوقت بالذات، دليل واضح، على ما نذهب إليه، من حدوث تطورات، قد تكون دراماتيكية في العلاقات بين دول مجلس التعاون، وبين هذه الدول والولايات المتحدة. وكان الرئيس (ترامب) قد ألمح إلى قضية سعر البترول، من خلال منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك)، وطالب بخفض الأسعار، كونه يريد تخفيف عبء المحروقات على شعبه، ولربما استخدم لغة التهديد، كي تضغط السعودية على دول (أوبك)، لتخفيض أسعار البترول. وجاءت قضية مقتل الكاتب السعودي (جمال خاشقجي)، في القنصلية السعودية باسطنبول، لتُضيف إلى غضب الرأي العام الأمريكي والهيئات الحقوقية على الممارسات السعودية، داخل وخارج المملكة. حيث دخل (خاشقجي) القنصلية، للحصول على تصديقات لبعض الأوراق الخاصة بزواجه من تركية، ولم يخرج. واعتبرت صحيفة (الفيجارو) الفرنسية، «أن القمع السعودي أصبح عابرًا للقارات»، وأضافت» تهبُّ رياحٌ سامَة، داخل المملكة السعودية وخارج حدودها، يُذكيها تهوّر ولي العهد (محمد بن سلمان)، وعدم خبرته، وما يتمتع به من دعم من الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب)». فيما تضاربت الأنباء حول وجود وسلامة الكاتب (خاشقجي)، وقالت بعض الفضائيات، حسب شهود عيان، إن (خاشقجي) تم تهريبه قسرًا من القنصلية في اسطنبول، إلى (جدة) أو أحد السجون في المملكة، في حين أعلن ولي العهد السعودي – بعد خمسة أيام من اختفاء (خاشقجي)، أن بلاده «مستعدة للسماح لتركيا بتفتيش القنصلية في اسطنبول، وإنه ليس لدى الرياض ما تخفيه تجاه مصير الكاتب (جمال خاشقجي). وحتى كتابة هذا المقال، لم يُعرف مصير جثة الكاتب السعودي!؟ وكان الصحفي الأمريكي (توماس فريدمان) قد دعا كلًا من الرئيس الأمريكي، ومستشاره وصهره ( جاريد كوشنير) إلى مطالبة المملكة العربية السعودية بالكشف عن مصير الكاتب (جمال خاشقجي)، مشيرًا إلى أنه « بدون ناقدٍ بنّاءٍ مثله (خاشقجي)، ستفشل الإصلاحات الاقتصادية السعودية»، في الوقت الذي خاطب فيه (فريدمان) ولي العهد السعودي ووزير خارجيته ( عادل الجبير)، في تغريدات له « أن تعثرا/ تُطلقا سراح صديقي (جمال خاشقجي)، المفقود في القنصلية السعودية بإسطنبول، وإذا كان مخطوفًا، فهذا سيكون كارثيًا لدبلوماسيتكما». كما دعَت منظمة (هيومن رايتس وتش) السلطات التركية لتعميق تحقيقاتها، واتخاذ خطوات لمنع « العملاء» السعوديين من أخذ (خاشقجي) قسرًا، إلى المملكة، لأنه سيواجه «خطرًا» حقيقيًا، بمحاكمة جائرة، وسجنًا طويلًا». المراسيمُ الملكية التي صدرت الأسبوع الماضي بإعفاء بعض الرسميين من مناصبهم، تُدلل على أن (بن سلمان) سوف يبحث عن (كبش فداء) للعملية « الرامبوية» التي تم حبكها، للإيقاع بالكاتب ( خاشقجي)! البيان الرسمي، الذي نقلته وكالة الأنباء السعودية، يعترفُ بمقتل (خاشقجي) داخل القنصلية السعودية بسبب « شجار» ! وهو عذرٌ سطحي، ناقضَ ما قاله ولي العهد السعودي لوكالة بلومبيرغ، من أن (خاشقجي) غادر القنصلية!؟ ويتناقض ما قاله القنصل السعودي بخروج (خاشقجي) من القنصلية!؟ كما يُبرر القول: لماذا يتشاجر 15 شخصًا من الاستخبارات والحرس، مع رجل أعزل؟! إنه بيان هزيل ارتدّ على مُصدريه، ولم يُقنع العالم بأسره!.المطالباتُ اللحوحة من بعض أفراد العائلة الحاكمة السعودية بطرح اسم الأمير (أحمد عبدالعزيز)، كبديل لـ (محمد بن سلمان)، تُضيف إلى ضبابية الموقف، وسوء المُنقلب الذي ينتظره (بن سلمان)! وإذا ما أضفنا هذه التطورات الجديدة، إلى ما حصل سابقًا منذ مجيء (محمد بن سلمان) إلى سدة ولاية العهد، من توقيف بعض الأمراء والتجّار، والطلب منهم دفع مئات الملايين، وكذلك الزجّ بالدعاة والناشطين والمغردين في السجون، دون محاكمة، فإن الطريق ستكون خطرة على الملك القادم لتنفيذ رؤية 2030، خصوصًا بعد اعتراض الملك (سلمان بن عبدالعزيز) على اقتراح ولي عهده طرح أسهم (أرامكو) في البورصة، وكذلك صفقة القرن!. وإذا ما أضفنا ذلك إلى الحرب المجنونة على اليمن والتي تقودها السعودية، والتي تجاوزت عامَها الثالث، والتي استنزفت ميزانية السعودية، دون أن يتزحزح الحوثيون من أماكنهم، بل زادت قبضتهم على اليمن، ومنعوا الرئيس اليمني من ممارسة مهامه الرئاسية، حيث ظل قابعًا في الرياض، كما أن الصواريخ الحوثية طالت المدن السعودية، فإن كل التحليلات تؤيد دخول المملكة في طريق مجهول، وقد تصدق هنا كلمة ( ترامب) للملك (سلمان): « لن تبقى في السلطة لأسبوعين، دون دعم الجيش الأمريكي».