07 نوفمبر 2025

تسجيل

قطر لا تُقاطع المثقفين والفنانين الخليجيين

22 أكتوبر 2017

كسب الإعلام القطري معركته مع إعلام دول الحصار، وذلك باعتمادهِ الحقائق، وبُعدهِ عن التشنج والانفعال، ومَيلهِ نحو وضع الأمور في نصابها دون تهويل أو تقليل. ولم يلجأ هذا الإعلام إلى "خلط الأوراق" أو تحوير مقاصد تصريحات المسؤولين أو سوء تفسير فحوى بعض المواقف التي التبست على سياسييّ وإعلام دول الحصار مثل قضية "تسييس الحج"! ما استوقفني في إعلام دولة قطر هو عدم زجِّ الفن والثقافة في المواجهات الإعلامية، وعدم مقاطعة الأدباء والكتاب والفنانين من دول الحصار، فلقد علمتُ من مصادر في جائزة الرواية العربية (كتارا) أن جميع المشاركات في الدورة الثالثة من الجائزة موجودة بما فيها تلك من دول الحصار، بل إن لجنة الفرز والحَكم فيها شخصيات من دول الحصار، وأنه لا يوجد تسييس في الثقافة. كما أنني أسمع يوميًا تقريبًا أغاني محمد عبده وطلال مداح، بل توجد لهذا الأخير -رحمه الله- ذكريات وتسجيلات قديمة تبثها إذاعة صوت الخليج، كما لا يتوقف صوت عبادي الجوهر من الإذاعة، وأيضًا صوت إبراهيم حبيب وأحمد الجميري، وكذلك الأمر بالنسبة إلى جابر جاسم وميحد حمد وغيرهم! وجميل جدًا أن تستضيف الدوحة -في ليل حصارها- المسرح العماني، وهو تعاون ثقافي بين الشعبين القطري والعماني، حيث يتم عرض (أو تم عرض) المسرحية العمانية (النوخذة)، فأهلا وسهلًا بالفنانين العمانيين في بلدهم قطر، بين أهلهم وإخوانهم. وبودي أن أقترح هنا، لكسر الحصار الظالم، أن يتم التنسيق بين الجهات المسؤولة في دولة قطر ودولة الكويت لإقامة أسبوع ثقافي قطري بالكويت الشقيقة، خصوصًا في ظل وجود الصرح الثقافي الشامخ (مركز جابر الثقافي) في الكويت، كي تُعرض فيه مسرحية من قطر، وتقام محاضرات وأمسيات شعرية ومعرض للفنون التشكيلية، ويتم الإعداد له بصورة جيدة وغير نمطية كما كان في السابق. وحبذا لو انتقل هذا الأسبوع إلى سلطنة عمان الشقيقة! لقد جاء الحصار من "الأشقاء"، ولكننا كشعوب يجب أن نثبت للرأي العام، سواء في دول الحصار أم في العالم، أننا لم نُقم سُرادقاتِ "لطم" أو انتحابٍ بعد فرض الحصار الجائر، وأن الحياة في قطر تسير على وتيرتها، بل على نحو أفضل! وكان تعاملنا مع الحصار إيجابيًا، انطلق من أصالة الإنسان القطري وقدرته على التلاؤم مع كافة الظروف، بل إن الحصار قد أوجد معادلات جديدة تحدث عنها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى يوم 3 أغسطس، خلال ترؤسه مجلس الوزراء، وأعلن سموه أن "قطر بالنسبة لنا وللجميع في شهر يونيو 2017 تختلف عن السابق". كما شرح سموه الخطوات المستمرة للخطط التنموية في البلاد، مشيرًا إلى أهمية الاعتماد على الذات من ناحية الأمن الوطني والتنمية الاقتصادية، داعيًا إلى بث الروح الإيجابية، والتركيز على الإنتاجية والتحلي بروح الفريق. ولم تفُت سموه الإشارة إلى استعداد دولة قطر لحل الأزمة الخليجية عبر الحوار ودون إملاءات أو تدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، وهو المنطق ذاته الذي ورد في قائمة المطالب الستة في ختام أعمال اجتماع وزراء الخارجية لدول الحصار بالقاهرة. أعود لمسألة التعامل الإيجابي مع دول الحصار، لأن المواطن القطري استوعب "صدمة" حصار "الأشقاء"، رغم الدهشة والذهول لكيفية إخراج تلك الصدمة، وطوّعَ هذا المواطن حياته بما يتلاءم مع طبيعة الحياة ما بعد يونيو 2017، كما تفضل حضرة صاحب السمو الأمير، وهذا يدخل في سيكولوجية التفكير الإيجابي، ومحاولة إيجاد البدائل في أي موضوع مثار النقاش، والتوسع في حجم المدارك، وهذا ما نلاحظه في وعي الشباب وهمتهم في خدمة المواطنين والمقيمين في كل الدوائر الحكومية الخدمية، لأنهم اعتبروا الإيجابية شكلًا من أشكال الوفاء للوطن. ومن سمات التعامل الإيجابي مع الحصار وتبعاته عدم الانزلاق نحو محاربة الفن والفنانين والأدب والأدباء والمثقفين في دول الحصار، حتى وإن صدر من بعضهم -لربما لتجنُب التعرض للمساءلة- بعض التصريحات غير الودية تجاه دولة قطر. وأود التأكيد هنا مرة أخرى على أن الفن والثقافة يقربان الشعوب المختلفة تاريخيًا وعرقيًا ودينيًا وفكريًا، فما بالكم بالأشقاء الذين يربطهم تاريخ مشترك، وعلاقة قربى ونسب، وأيضًا موقع جغرافي واحد ومصالح اقتصادية؟! لذا أقول لهم: أبعدوا الفن والثقافة عن السياسة، ولا "تفجروا" في الخصام، وقابلوا العالم بصدر رحب، وحرروا الفن والثقافة من "الوصاية" الوطنية. لا بأس أن نتغنى بالوطن، ونرسم الوطن، ونصوّر الوطن من كل زاوية، ولكن ما ذنب أغنية يطاردها الرقيب الحديدي؟ وما ذنب (الحمامة) التي هي رمز السلام والمحبة أن يقتلها أحدهم بتهمة أنها قطرية؟! وما ذنب الإنسان المتوفى الذي لم يستطع أهله الصلاةَ عليه ودفنه أو تلقي العزاء فيه في قطر؟ لقد بلغ السيل الزُبى في وسائل التواصل الاجتماعي، وقرأنا ما يشيب له الولدان، وسمعنا عن "تجنيد آلاف المغردين المدربين من لبنان وسوريا والعراق وإيران مقابل المال من أجل تفتيت دول الخليج، بانتحال شخصيات خليجية بقصد إحداث فتنة طائفية في المنطقة عبر بث التغريدات والرسائل التي تحمل الشتائم والتحريض والتكفير لإشعال نار الفتنة بين أهل الخليج"، ولا بد لأهل الخليج أن ينتبهوا لذلك، ولا ينحدروا وراء هذه الأفعال الدنيئة التي تنال من وحدة شعوب الخليج. لقد بدأت عواصف (الربيع العربي) عبر وسائل التواصل، وعلى الخليجيين كلهم الانتباه لذلك. ذلك أنه تم الخوض في مسائل خاصة جدًا، ولا نريد أن يتواصل هذا العبث، من أي طرف، خصوصًا هؤلاء المتخفين وراء الأسماء المستعارة، بل يجب أن نواجه الحقيقة، وندحض الرأي بالرأي والحجة بالحجة، دون المساس والشخصَنة والسخرية والشتم. لقد تم حرماننا من المجلات الثقافية عندما أوقفوا البريد مع دولة قطر! وهي مجلات تختص بالفكر وليس لها علاقة بالسياسة... ولقد قاطعوا فنانينا ومفكرينا وحرموا جماهيرهم من جلسات (سوق واقف)، وفنادق قطر، ومواقع الصحف القطرية! ولم تقم قطر بذات الفعل، وهذا هو الرد الإيجابي على جور الحصار. لذا أكرر مرة أخرى: علينا التحلي بالروح الإيجابية، ولا بأس أن يحضر إلينا مثقفون من دول الحصار، كي نناقشهم ويناقشونا في قضية الحصار وآثاره المستقبلية! وإذا ما كانت هنالك حفلات غنائية في الدوحة لا أرى بأسًا من مشاركة فناني دول الحصار، ذلك أننا استطعنا التعامل الإيجابي مع آثار الحصار، ولا يوجد لدينا قانون "يمنع التعاطف مع أي دولة"! دعونا نُحذِّر من الفتنة أولًا، ونُحكِّم العقل ثانيًا، وننفتح على العالم الذي بدأ "يضحك" علينا، نتيجة خلافاتنا غير ذات الفائدة على مستقبلنا! دعونا نكون مختلفين عما كنا عليه قبل يونيو 2017 وندرك أن ما يُراد لهذه المنطقة كبير جدًا، ولا تجوز المغامرة بمستقبل المنطقة نتيجة خلاف أو اختلاف أو نوازع شخصية تسعى لتدمير المنطقة بأسرها. دعونا نسمع محمد عبده في (إبعاد كنتم وإلا قريبين.. المراد إنكم دايم سالمين) ودعوهم يسمعون علي عبدالستار في (أريد وأتمنى الفرح في كل القلوب.. أريد أشوف الربيع في كل الدروب)! دعونا نصون الأمان والكرامة، ونخرج من وحل التراشق والعبارات المجنونة في الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي. هامش: ما قام به بعض الفنانين السعوديين مؤخرًا لا يصبُّ في خانة نُبل الفن ورسالته السامية التي تم تسييسها دون مبرر. فنانو قطر تغنوا بحب قطر وتميم المجد، لكنهم لم يتعرضوا لأي دولة من دول الحصار.