13 نوفمبر 2025
تسجيلما يسترعي انتباهي في اللهجات العامية العربية هو بعض المحطات الكلامية المحببة التي تمرّ عرضاً في حياتنا دون أن ننتبه إلى أصلها وفصلها. لكنها تُميزّ ناطقيها وتعطيهم السمة المحببة التي تطبعهم وتُشير اليهم. لقد لعبت الدراما وخاصة السورية منها دوراً بارزاً في تقريب المسافة اللغوية والنفسية للمواطن العربي . وهذا ما عزز دورها وأعطاها بُعداً جديداً في معرفة دواخل المجتمعات وبالتالي التأثير والتأثر. فكلمة «تقبرني» أو «تقبر قلبي» التي يستخدمها أهل الشام كما أهل لبنان، مع اختلاف اللهجة أو التشكيل اللغوي، إنما تعبر عن حميمية بالغة للمقصود عموماً، وأحياناً تستخدم للمبالغة والاستهزاء. «فتقبرني هذه» عندما تستخدمها الأم تُلحقها بـ :»تقبر عظامي» وهذا إنما يُعبّر عن أقصى حالات الأمومة الفياضة والتفاني. وعندما يستخدمها المحب فإنها تعبر عن أقصى حالات الإعجاب. وهي جداً محببة للأُذن مما يستدعي ردة فعلٍ من المُتلقي بردٍ سريع ملهوف مثل «سلامة قلبك». والسؤال الذي يطرح نفسه هنا أين هو المرادف اللغوي الفصيح المشحون بهذه الشحنه العالية من اللمسة المُقرّبة كملمس الحرير من الخد الأسيل؟! مما لاشك فيه أن هناك مرادفاً فصيحاً لكنه يفتقر الى الحميمية الدارجة التي نستخدمها بعفوية وسلاسة. لا لشيء وإنما لتعوّد الأُذن على السماع والاستمتاع. وأدّعي هنا أن هذا الذي يُميز الشعر النبطي وسرعة انتشاره لأنه يحمل ميزة السماع المفتقدة. كما وتكمن أهمية الشاعر الفذّ الذي يُحلّق باللغة ويُخلّصها من شوائب التكلف الذي أبدع فيه الشاعر الكبير نزار قباني بحيث جعل من اللغة قماشاً شعبياً على حدّ تعبيره . وبالعودة الى موضوعنا فإن كلمة «تقبرني» لا يوازيها في الروعة سوى كلمة «فديتك» أو «فديت قلبك» باللهجة الخليجية التي تحمل نفس المخزون من الشحنة والمعنى في اللهجات الأخرى . طبعاً لا أتمنّى أن يفهم أحد أنني أقلل من شأن الفصيح لأحابي العاميّة، تقبروني فديت خشمكم.