07 نوفمبر 2025
تسجيلرغم حصتها الكبيرة من المعاناة؛ فإن الرواية الفلسطينية تتراجع إلى الصفّ الثاني أمام سطوة الشعر، وإذ يشير الناقد إلى أسماء روائية فلسطينية في الخارج عبرت إلى بؤرة الضوء في مهاجرها المتعددة، وباستثناء بعض الأسماء اللافتة كإميل حبيبي؛ فإن الرواية الفلسطينية وجدت ذاتها خارج الرحم الفلسطيني لاعتبارات موضوعية لا نقاش فيها. من هنا تأتي أهمية الأسماء الجديدة القادمة من الأراضي المحتلة في مناطق الـ 67 أو الـ 48 للاقتراب من واقع جديد ابتعد عنه الأدب المتأثر بلاءات الخرطوم، والذي ينسى أن شعباً في الداخل يتعاطى مع الاحتلال من باب الضرورة. ومن هذا الباب نقرأ " آخر الحصون المنهارة" بصفحاتها القليلة، وبنيتها الدرامية الفقيرة. تسير الرواية في خيط درامي أفقي، خلف بطلها بشار سالم المحمودي الأخ الأكبر لعائلة معدمة من غزة، فقدت معيلها الذي يعمل في "إسرائيل"، ويفقد حياته بعد سقوطه من السقالة، فلا يكفي التعويض الزهيد لبضعة أشهر، مما يعرض حياة العائلة للخطر. يترك بشار الدراسة وهو على أعتاب السنة الثالثة في كلية التمريض، ليكمل إخوته الآخرون مسيرتهم، ويجد عملاً في مستوطنة، عند أسرة يهودية عربية، قادمة من ليبيا بداية الهجرة اليهودية إلى فلسطين. وسرعان ما يصبح مألوفاً عند أسرة نسيم جباي، الأب الخمسيني المريض يحمل له العرفان لأنه أنقذ حياته بعد نوبة قلبية، يسهر عنده في غرفته ويشرب القهوة والشاي المسخّن على الحطب ويأكل البطاطا المشوية، الابن دوف يلعب معه الشطرنج، ويسرّ له بنفوره من حياة الجيش ورفضه قتل العرب في المعارك التي شارك فيها في لبنان. والأم المتصابية تجد فيه عشيقاً سرّياً بعد مرض زوجها. لكن الشابة دوريت التي تعمل في جيش الدفاع لا تطيق بقاء الشاب العربي في البيت، وتضايقه في أكثر من مناسبة، لكن تمسّك الأسرة به وحاجة أسرته هو إلى المال تجعله يثني عزمه على الرحيل في كلّ مرّة. في ثلاثة شهور تجري أحداث الرواية، التي يختار لها الكاتب عام 1987 كمؤشر إلى الانتفاضة الأولى، وإلى الظروف الموضوعية لانطلاقتها. يفرض حظر على الأراضي المحتلة "الضفة والقطاع"، ويبقى بشار في البيت مع العائلة اليهودية، ويجد ضيقاً في إجازة دوريت ودوف في عيد المساخر، وفي تسارع للأحداث تقتحم دوريت غرفته ليلاً بعد أن اكتشفت علاقته مع أمّها، وهي في حالة سكر شديدة، وتموت بين يديه. فيضعها في كيس قمامة كبير، ويحملها بعيداً إلى أطلال قرية عربية صارت ملجأ للكلاب الشاردة. تتوالى الفصول القصيرة بعدها سريعاً، ويلقي القبض على بشار الذي يقتل "ناعومي" صديق دوريت دفاعاً عن نفسه. ويحكم عليه بالسجن ثلاثين عاماً بعد نجاح الدفاع في تحويل القضية من سياسية إلى جنائية، وهناك في السجن يكتب روايته. *** ورغم ضعف البناء الروائي في "آخر الحصون المنهارة"، إلاّ أن الكتابات القادمة من فلسطينيي الداخل، تظلّ الأقرب إلى معاناة الشعب الفلسطيني.