11 نوفمبر 2025

تسجيل

الفلسطينيون وحليمة.. التي رجعت لعادتها القديمة..

22 سبتمبر 2011

في مقالي السابق أشرت إلى ما قد يؤدي إليه التوجه إلى الأمم المتحدة بهذه الطريقة غير الناضجة من مخاطر على العلاقات الداخلية وعلى الوضع القانوني للقضية الفلسطينية، وخلصت إلى جملة المقتضيات افترضت أنها يمكن أن تشكل ضمانة من أن تنزلق القضية إلى ما يتخوف منه.. وكان مما ذكرت ؛ ضرورة أن تكون الخطوة في إطار إستراتيجية تحرك شاملة، وأن تكون صيغة القرار المقترح واضحة وتحوي كل الثوابت الوطنية والقرارات التي أثبتت حقوقا أصلية أو مكتسبة للشعب الفلسطيني، وأن تقوم بهذه الخطوة منظمة التحرير الفلسطينية وليس السلطة، وأن يتحصل السيد عباس لهذه الصيغة ولهذه الإستراتيجية على أكبر مساحة من التوافق الوطني لتوقي الاختراق والفتنة في وقت يتوقع أن تكون ردة فعل العدو أكبر من قدرة السيد عباس على تحملها.. والحقيقة أن الأسبوع الفائت قد وضح عدم تناسب الكيفية التي يتحرك بها السيد عباس ومعاونوه مع خطورة هذه الخطوة ودلل على أنهم يستهينون بالتخوفات التي تتردد على ألسن المثقفين والمفكرين حولها، وأنهم لا يقدرون معنى التوافق الوطني ولا يتخيلون خطورة الاختلاف على خطوة بهذا المستوى من المسؤولية التاريخية والمترتبات عليها.. أو أنهم ليست لديهم نية تفعيلها والاستثمار فيها.. أما إذا أسأنا الظن ( وسوء الظن من حسن الفطن كما يقال) فالاحتمال غير المستبعد أيضا أنهم قد رسموا تحركهم هذا بمفاعيله ومترتباته مع العدو الصهيوني الذي سيحقق جملة من المكاسب بدون ثمن حقيقي يدفعه أو يتكلفه.. والكلام هنا عن استباق التحولات الكبيرة والتاريخية التي تترسم وقائعها في العالم العربي واستباق التحولات التي تنمو لصالح الحق الفلسطيني عالميا وتدلل عليه الاستطلاعات والدراسات، واستباق تشكيل تحالف تركي مصري إقليمي ضد العدو، واستباق انهيار أخلاقيات الموقف الصهيوني الذي صار مكشوفا ومفضوحا أخلاقيا ويتعثر سياسيا وديبلوماسيا.. الكاتب الصهيوني توماس فريدمان كتب في عموده المعتاد بصحيفة نيويورك تايمز قائلا : إنه لم يكن أكثر قلقا على مستقبل إسرائيل من اليوم "فتداعي دعائم الأمن الإسرائيلي الرئيسية -وهي السلام مع مصر واستقرار سوريا والصداقة مع تركيا والأردن - مقرونا بأكثر الحكومات عجزا دبلوماسيا وافتقارا للكفاءة الإستراتيجية في تاريخ إسرائيل " ثم قال: " وكل ذلك جعل إسرائيل في خطر محيق ". والسؤال هنا: حتى لو كان الذهاب للأمم المتحدة مناسبا في وقت ما؛ فهل هو كذلك اليوم؟ وهل تجب إعادة تأكيد التنازلات التي قدموها في لحظات ضعف وانفراد وتحت التطميع بسلام تبين أنه مجرد سراب؟ وهل الوقت لإعادة المراهنة على إحياء الحق الصهيوني في فلسطين الـ48 مقابل خطوة لن تتبعها إلا المفاوضات والمفاوضات.. كما يقول عباس نفسه؟ منطقي أن نسيء الظن في هذه الخطوة لأنها تتم بدون التشاور مع أهل القضية وأصحاب الدم.. فهم لم يتشاوروا مع حماس التي تجمعهم بها مصالحة وطنية يفترض أنها حقيقية! ولم يتشاوروا مع " الجهاد " التي ليس لهم معها خصام ولا نكد!.. ولم يتشاوروا مع المجلس التشريعي كمؤسسة رسمية يفترض أن تكون قاعدة الارتكاز لتجسيد الديموقراطية ( السكر زيادة ) التي طالما بشروا بها! ولم يتشاوروا حتى مع المجلس الوطني المعروف بأنه بين سحرهم ونحرهم وأنه لم يتخلف عن مرادهم يوما.. أقول : فإن كانوا يخافون أن لا يحصلوا من كل هؤلاء على التفويض فإن خطوتهم - إذن - لا تحظى بأي قبول.. فهؤلاء هم الشعب الفلسطيني وهؤلاء هم قيادته وهذه هي مؤسساته! بالتالي فلا يمكن إحسان الظن بهم مع كل هذه التجاوزات وفي مرحلة تاريخية، وفي تحول - دراماتيكي – على هذا النحو من الجدية! البعض يغلقون أعينهم عن كل ذلك وعن كل المخاطر والتحديات من حول هذه الخطوة، ويفرحون ويرقصون على كلمات " الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والعلم الذي يرفرف على كذا وكذا " وتخدعهم عبارات التحدي والإصرار.. هذا البعض تعودنا أنهم تسهل خديعتهم ولفتهم بالشعارات والبهارج الإعلامية عن حقائق ما يدبر في جهة أخرى.. حدث مثل ذلك يوم أعلن استقلال دولة المنفى عام 1988 في الجزائر وزغرد من زغرد وهاج من هاج فغفلوا عما رافقه من اعتراف بالقرارين ( 242، 338 ) اللذين كان الاعتراف بهما خيانة للوطنية ونكوصا عن القومية، وحدث الشيء نفسه يوم أعلن اتفاق أوسلو ؛ فخدعتهم نظرية " خذ وطالب " وأن عشرات الآلاف من الفلسطينيين عادوا للأرض المحتلة، وأنهم قام لهم كيان فلسطيني – في غزة وأريحا – وغفلوا عن الحقائق التي تقررت على الشعب الفلسطيني منذ ذلك اليوم إذ صارت المفاوضات مقصودة لذاتها وليست وسيلة لتحقيق التسوية، وإذ صارت أمريكا هي المرجعية الحصرية للقضية بدلا من القرارات الدولية والمجتمع الدولي والإجماع الفلسطيني، وإذ تم التنازل عن 80 % من فلسطين التاريخية وانحصرت وانحشرت القضية فيما احتل عام 67، والتنازل عن حق المقاومة بل التآمر عليه وتقرير مناهج التعاون الأمني مع العدو ضده، والتنازل عن حق تقرير المصير الذي كان نشيدا وطنيا الليل والنهار ليركن في مجاهل النسيان ثم ليخرج من الخطاب الرسمي الفلسطيني إلى الأبد.. كل هذا تم تدسيسه على العقلية الفلسطينية وعلى الواقع الفلسطيني تحت جنح الزغاريد والمقولات والعواطف وألوان العلم الفلسطيني الذي صار مقدسا أكثر من القدس والأقصى والوطن والجهاد.. وها هي حليمة الفلسطينيين تعود لعادتها القديمة.. وها هم يأخذون الرأي العام إلى خطوة يسوقونها على أنها غاية المنى الوطنية وأنهم بالأمم المتحدة سيقررون الدولة المتعثرة منذ سبعين سنة.. وها هم يتجاهلون كل الانتقادات وكل الاعتراضات وكل الخسارات والتنازلات.. ويعيدون إنتاج ذات المأساة بذات الأدوات.. فما يطلبونه مقتصر على حدود الـ67 ما يعني أن بقية فلسطين لن يبقى لها من يمثلها! وليس صحيحا ولا واقعيا أن المنظمة ستظل تمثلهم وتطالب بحقوقهم ولكن سيعتبر ذلك لو ادعته تلك الدولة – الموعودة أو الموهومة - ازدواجية في التمثيل وادعاء لا واقع له! وهذا هو الناتج الأول لمعنى دولة في حدود الـ67 فالدول يتم الاعتراف بها لتمثل رسميا إقليمها ومن تمثلهم! فإن سقطت المنظمة بهذا الشكل الرسمي، وإذا أصبحت فلسطين الـ48 معترفا بها كوطن قومي " للعدو " اعترافا دوليا ورسميا وبطلب من الفلسطينيين أنفسهم ومن غير اشتراط قيام فعلي ولا اعتراف صريح بحقهم وبدولتهم ؛ فأين يصير حق العودة حينئذ؟ وأين يصير فلسطينيو الشتات؟ وما أثر ذلك على الخلافات الفلسطينية الفلسطينية ثم الفلسطينية العربية في البلاد التي تستضيفهم كمبعدين ومهجرين؟ آخر القول: قد يكون في سعي عباس للأمم المتحدة نوع من الخروج عن النص الأمريكي والصهيوني، وقد تكون خطوة عباس كبيرة وفارقة بالنظر لإمكاناته وما حشر نفسه فيه من الخيارات السياسية البائسة.. لكن ذلك ليس كل ما يستطيعه الفلسطينيون ولا هو حدود مرادهم، ولا هو ما تبشر به الثورات العربية والتحولات في الموقف التركي والمصري تجاه الصراع حول فلسطين، وإذا أبعدنا التهويلات التي تروجها السلطة لخطوتها هذه وتخلينا عن قليل من العاطفة المتحكمة في فهمها فلن نجد ناتجا نهائيا لها إلا المزيد من التنازل وإلا تثبيت كل الواقع البائس الذي يجب تغييره.. بقي أن نقول: ليس بالضرورة أن كل ما يرفضه العدو هو يرفضه على الحقيقة، ولا أن كل ما يرفضه يجب أن نقبله لمجرد أنه يرفضه..