10 نوفمبر 2025

تسجيل

عندما نرثي من عَلّمنا حَرْفا

22 أغسطس 2020

في عام 1985 م شاركت في المهرجان الثقافي والفني الثاني لجامعات دول الخليج العربية والذي أقيم بجامعة الإمارات في مدينة العين حيث شاركت فيه كافة الجامعات الخليجية بالإضافة لجامعات العراق وهو مهرجان سنوي يقدم فيه طلاب الجامعات إبداعاتهم ومساهماتهم الأدبية والبحثية والفنية وهناك لجان لتقييم الأعمال الطلابية ومنحها الجوائز وشهادات التقدير.. وقد قدمت في هذا المهرجان أحد البحوث الطلابية بعنوان " العمالة الأجنبية وآثارها السلبية في الخليج: الاقتصادية والسياسية والاجتماعية " ونال البحث المركز الأول على مستوى الخليج في تلك المشاركة.. وقد استعنت في هذه الدراسة ببعض التوجيهات والمصادر العلمية التي تناولت العمالة الوافدة ومساوئها على الخليج في ثمانينيات القرن الماضي ومنها ما كتبه الأستاذ الدكتور حسن الخياط أستاذ الجغرافيا بجامعة قطر وهو من أوائل أعضاء هيئة التدريس العراقيين الذين التحقوا بجامعة قطر في السبعينيات مع تأسيسها في سنة 1977 م حيث يعد من خيرة الأساتذة العرب الذين أشرفوا على تدريسي لمادة الجغرافيا في الجامعة حين كنت طالبا فيها في العام الدراسي 1983 / 1984. وبالأمس القريب غادرنا إلى الدار الآخرة حسن الخياط (1929 - 2020) بعد مشوار طويل من العمل المخلص في جامعة قطر كان خلاله أنموذجا يفتخر به في مجال التعليم الجامعي والإصدارات العلمية والبحثية في ميدان الدراسات السكانية وخاصة تلك التي تتعلق بدولة قطر والخليج.. حيث كانت مؤلفاته يشار إليها بالبنان في تلك الفترة التاريخية المهمة من تاريخ دول المنطقة. ولم يكن الفقيد الراحل حسن الخياط الوحيد في تدريس الجغرافيا في تلك الفترة بل كانت هناك كوكبة من الأساتذة العرب الأجلاء الذين ساهموا مساهمة كبيرة في نشر الفكر الجغرافي لدى طلاب الجامعة من أمثال: أحمد عبدالله وبسام النصر وخالد إدريس وجاء من بعدهم مجموعة من الأساتذة القطريين المبدعين من أمثال: علي الشيب ونظام عبدالكريم الشافعي ومحمد خليفة الكواري ونورة يوسف الكواري وسارة الزمان وناصر فخرو وغيرهم كثير لا يتسع المجال لذكرهم جميعا. رحل عنا أستاذ الأجيال حسن الخياط ليترك للمكتبة القطرية والعربية العديد من الدراسات التي – لا شك – ستبقى إرثا للأجيال القادمة من طلاب الجامعات الذين سيجدون فيها ضالتهم فيما يطلبون من معلومات ودراسات عن السياسة السكانية والجغرافية في قطر بشكل خاص ودول الخليج العربية بشكل عام.. حيث امتازت مؤلفات الفقيد بالأصالة والرصانة في البحث والتنقيب بمجال البحث العلمي. قال عنه الأستاذ الدكتور نظام الشافعي بعد رحيله: فقدت الأسرة الجغرافية في دولة قطر شيخ الجغرافيين الأستاذ الدكتور حسن الخياط، العراقي الجنسية والذي انتقل إلى رحمة الله منذ أيام في مدينة الدوحة، التي اختارها للسكن بها منذ تقاعده، وقد عرفها تمام المعرفة وأهلها الكرام، وما تتمتع به من أمن وكرامة لمن يسكنها. فقد التحق الفقيد بجامعة قطر وخدم فيها منذ 1976 م أستاذاً للجغرافيا البشرية في تخصص السكان والعمران، وانضم في بداية رحلته إلى الأستاذ الدكتور محمد رياض، المصري، في تأسيس قسم الجغرافيا.. نال الدكتور حسن درجة دكتوراه في الفلسفة من جامعة بتسبيرج الأمريكية عام 1962 م، وبدأ حياته الأكاديمية في جامعة بغداد.. حيث بدأ مشواره البحثي الغزير.. وأشرف على مجموعة من الأطروحات العلمية، وممتحنا لطلبة الدكتوراه وخاصة الخليجيين عندما كانوا يكتبون في المواضيع الجغرافية المتعلقة بقطر والخليج.. كما كان من بين الذين يقع عليهم الاختيار في عضوية لجان الاستشارات العلمية للنشر العلمي، وتحكيم البحوث الجغرافية على مستوى الوطن العربي.. وكان من الجغرافيين المجددين والمؤثرين في العطاء البحثي العميق، واختير في فترة من السنوات عضواً في مجلس الجامعة مدلياً بآرائه السديدة ومراقباً للأعراف الجامعية التي عمل هو والجيل الأول من مؤسسي جامعة قطر على الالتزام بها، فكان مكان تقدير من جميع زملائه.. وتولى شيخنا الفقيد رئاسة القسم لفترة، أدار خلالها القسم بحكمة وعمل على تشجيع المتفوقين القطريين على الانضمام للكادر الأكاديمي، كما عمل على تطوير التخصص المطروح وهو " جغرافيا / تخطيط عمراني " الذي تبناه منذ أول سنة وصل بها إلى جامعة قطر.. وفي مراحل أخرى تبنى فكرة تطوير الخطة بربط التخصص بعلوم ذات علاقة بالجغرافيا والتخطيط العمراني في كل من كلية الإنسانيات والعلوم والهندسة والإدارة والاقتصاد عبر مقررات خادمة للتخصص، تدعم إمكانيات الخريجين عند التخرج في خدمة الوطن.. وكان رحمه الله علماً على المستوى العربي، حيث ترأس عدة لجان في جامعة الدول العربية ومنظمة اليونسكو ومنظمة الإسكوا للكتابة في جغرافية الوطن العربي في مشروعاتها البحثية الشاملة والموضوعية والقطرية.. وكان الفقيد يمثل مرجعاً في دراسات السكان في دول مجلس التعاون الخليجي وبدرجة خاصة في دولة قطر حيث ألف عشرات البحوث والمؤلفات القيمة عن الموضوع. وكانت اللجنة الدائمة للسكان في قطر منذ إنشائها في عام 2005 م تعتبره أحد خبرائها، واستعانت به في ترتيب مجموعات فرق العمل لدراسة الحالة السكانية من زاويتها الديموغرافية والجغرافية في قطر، وبالتالي المشاركة الفعالة في مشروع صياغة السياسة السكانية الأولى لدول قطر التي صدرت في عام 2009 م وكان خير معين لهم وللقطريين الذي شاركوه في جوانب من المهمات البحثية الدقيقة.. ويثني كل من تتلمذ على يديه، وأنا أحدهم، على طريقته، وحبه لمقرراته التي يقوم بتدريسها وأسلوبه في التعامل مع طلابه بين الحزم في ضرورة الالتزام، والمرونة للتعامل مع شباب غض، بمعنى إعطاء الفرصة للباحثين عن الجدة والتفوق. وكذلك كانت علاقته الأبوية والأخوية مع كل من يتعامل منهم من الجغرافيين في سبيل إنجاز البحوث والدراسات، حيث كان يؤمن بأهمية التخطيط لأي عمل والتقيد ببرنامجه الزمني.. ترك الدكتور حسن للمكتبة العربية إرثاً جغرافياً لا يستهان به بكثرة مؤلفاته في مجالي تخصصه في جغرافية السكان. كلمة أخيرة: رحم الله أستاذنا الفاضل الدكتور حسن الخياط الذي أشرف على تدريس آلاف الطلاب والطالبات في جامعة قطر خاصة أنه بدأ مع جامعتنا الوطنية وهي تبدأ خطواتها الأولى في التأسيس عام 1977 م متحديا الصعاب في العبور بسفينتها إلى بر الأمان مع بقية زملائه من أعضاء هيئة التدريس العرب والأجانب والقطريين حيث نجني اليوم ثمار ما زرعوا.. وستبقى أسماؤهم خالدة في ذاكرة أول جامعة وطنية في تاريخ قطر. [email protected]