05 نوفمبر 2025

تسجيل

جلد الفجار ( 2 من 2)

22 مايو 2024

التقصير في حق أنفسنا بالتهاون في القيام بواجباتنا يجعلنا دوما عرضة للوقوع في ذلك الفخ الكبير ...أن يسبقنا أهل الباطل بجلدهم وكان عمر رضي الله عنه يقول اللهم إليك أشكو جلد الفاجر وعجز الثقة..) والفاجر هو المائِل عن شرع الله تعالى والعجز هو القصور عن الشيء وعدم بلوغه وقد يكون هذا بسبب تفريط فكأن الثقة لا يقدر على أداء ما هو مطلوب بسبب تهاونه فيه حتى فاته قطار الإتقان الذي ركبه الثقة. عن القوة والضعف إذن نتحدث ..لكن عن حالة خاصة منهما حالة قوة فاجر وضعف تقي وإن كان الأمر يتعلق أيضا بحالة خاصة أخرى وهي نصرة الباطل من قبل الجلدين وترك إنكاره وتغييره من قبل الضعفاء. ولو كان الأمر متعلقا بقوة أهل الحق فإنهم- من قديم - استطاعوا تطويع هؤلاء لمرادهم والاستفادة منهم بأقصى درجات الاستفادة مع مراقبتهم لئلا يتخذوا ذاك مطية لترويج فجورهم. فكم كان الصحابة أقوياء لما استطاعوا الاستفادة من أهل الجلد ومع ذلك استطاعوا أن يفرزوا مجالات الاستفادة التي يمكن أن يبرزوهم فيها دون غيرها، قل هذا في أمور كالحروب وأعمال العقل المحض دون أعمال القلوب والدعوة والفكر قال عمر رضي الله عنه إني استعمل الرجل الفاجر لأستعين بقوته ثم أكون على قَفَّانِهِ يعني على قفاه أي على تتبع أمره..وبذا استدل أهل العلم على جواز إسناد الأعمال الحربية لمن يتقنها ولو كان من أهل الفجور إن لم يوجد من يؤديها من أهل الخير مادام الأمر تحت السيطرة والرقابة. هذا كان أيام القوة أما في أيامنا فلقد قصرنا نحن عن حمل الحق وتهاونا في نصرته فصار الطريق ممهدا للباطل وأهله من غير حسيب أو رقيب..فأزاحوا أهل الحق عن أماكنهم.. وهذا التقصير وذاك التهاون من أهل الخير يكون أيضا سببا في مزيد من الجهل وشيوع الباطل وتغلبه كعقاب لابد أن يطول المقصرين قال عمر بن عبد العزيز: إنما قصر بنا عن علم ما جهلنا تقصيرنا في العمل بما علمنا..وعندئذ ينضح هذا التقصير على الجميع فلا يجد أصحاب الهمم على الحق أعوانا وبذا يمكننا أن نفهم موقف عثمان لما قال حين تنكَّر له الناس وأساء إليه الغوغاء من جلدة الفجار ،متغافلين عن حسن تدبيره للمسلمين وحسن سبقه في الإسلام فقال: إنَّ هؤلاء النَّفَر رَعاع غَثَرة, تطأْطأْت لهم إخواناً, وأراهموني الباطل شيطاناً, أجْرَرْتُ المرسُون رسَنَهُ وأبْلغْتُ الرَاتِغ مَسْقانَه, فتفرَّقوا عليَّ فِرَقاً ثلاثاً, فصامِت صَمْتُه أنْفَذُ من صَوْل غيره, وساعٍ أعطاني شاهِدِه, ومَنَعنِى غائبه, ومُرخَّص له في مُدَّة زُيَنت في قَلْبه, فأنا منهم بين ألْسُن لِداد, وقُلوب شِداد, وسُيوف حِداد, عَذيريَ اللَه منهم, ألا يَنْهى عَالِم جاهِلاً, ولا يَرْدَع أو يُنْذِر حليم سَفيهاً, واللّه حَسْبي وحسْبُهم يوم لا ينطِقُون, ولا يُؤذَن لهم فيعتذرِون) ومعناه أنه طأطأ رأسه تواضعا لأناس لا يستحقون فمن كان منهم من أهل الخير فليس يدافع عنه بل ويسكت في الوقت الذي ينبغي له أن يتكلم ويدافع وآخرون منهم صاروا غير ثقات فيعطون ما يحصى عليهم ويأكلون ما خفي، ومنهم من وثق فيه وترك له حرية التصرف فأساء العمل وفتن بالدنيا وللفائدة نجمل شرح ألفاظ الحديث -كما ذكر ذلك ابن قتيبة رحمه الله في شرح غريب الحديث (2/78). يقال: رجل أغثر إذا كان جاهلاً "وقوله: تطأطأت, يريد: خفَضْت لهم نفسي وذلَّلْت والدلاه: جمع دَالٍ, وهو النَّازع بالدَّلُو يقال: تركت فلانا متحيرا يتلدَّد, وإنّما أراد به انّه داراهم وراقَبهم وقولُه: أحررْته رسَنَه, يريد أنَّه خلاَه وأهْمَلهَ يرعى كيف شاء, والراتِع, الذي يرتعي, والمَسْقاة, موضع الشُرْب وهو بفتح الميم قولُه: ومرخَّص له في مُدَّة زيَّنت في قلْبه, والمُدَّة: أيام العُمْر, وقولُه: زيَنت في قلْبه, يريد أَن هذه الأيام في الدنيا حُبِّبَتْ إليه فباع بها حَظَّه من الآخرة, فهو يستحلّ منيّ ما يحرُم عليه. أو نحوه من المعنى وقوله: فصَامِت صَمْتُه أنفذ من صَوْل غيره , يقول ِمْساكه أشدُّ من تَطاول غيره ووعيده. يقال: صالَ عليه إذا علاهَ. تموت الأسد في الغابات جوعا ولحم الضأن يرمى للكلاب وذو جهل ينام على حرير وذو علم ينام على التراب ومع ذلك فينبغي ألا نيأس من إصلاح ذوي الجلد من الناس فلنذكرهم بالله تعالى ولنحببهم فيه ولنطرح دعوتنا من غير استكانة ولا ضعف ولا منة على خلق الله أيضا ولنحذرهم غضب الله تعالى ونقمته ببيان سوء ما يقومون به من نصرة الباطل والدفاع عنه أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره، ومن مات وعليه دين فليس بالدينار والدرهم ولكنها الحسنات والسيئات، ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال". وأخرج البيهقي عن واثلة بن الأسقع يقول: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن المعصية أن يحب الرجل قومه؟ قال "لا، ولكن من المعصية أن يعين الرجل قومه على الظلم". ومن أهم المواضيع التي يجب تكثيف طرحها على أهل الجلد: التزهيد في الدنيا وملذاتها، ولعمري إن هذه القضية من أساسيات الدين، ولم تكن مواعظ القرآن والسنة إلا مُدَنْدِنَةً حولهما. ومع وجود المواعظ الزهدية لا بد أن توجد النماذج الزاهدة التي تذكر الناس بالله والدار الآخرة، ويجب استغلال المناسبات التي تحضر فيها القلوب كمناسبات احتضار المرضى وعند الموت والدفن في التزهيد في الدنيا والترغيب فيما عند الله تبارك وتعالى. فما المعنى بأن نَحْيَا فلا نُحْيِي بنا الدينا وبالجملة لابد لمن اختار طريق الباطل لينصره أن ينتبه أن الدنيا ساعات تمر ولسوف يجد بعدها حسابا على مثاقيل الذر فليعد للسؤال جوابا وليسارع بالتوبة [email protected]