13 نوفمبر 2025

تسجيل

السودان.. آفاق غبشاء (1)

22 مايو 2014

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); كثر استخدام الناس للعبارات من شاكلة "يمر السودان بمنعطف تاريخي" أو "السودان الآن في مفترق طرق"، وهي عبارات على الرغم من استخدامها الممجوج في كثير من الأحيان، إلا أنها – للأسف – صادقة في معظم الوقت.. فالسودان منذ أن وعينا نحن وكثير من الذين من قبلنا لم تهدأ أنفاسه ولم تسكن أحواله وما برح يعاني ويلات الحرب وكبد المعاش والاضطراب السياسي حتى وقر – أو كأنه وقر – في صدور الناس أن هذه طبيعة الأشياء.. وكان في ما مضى يتهيأ لقلة أن ترى الدنيا خارج السودان فيعودوا لقومهم مبشرين أن الحياة يمكن أن تكون خيرا مما أنتم عليه، ثم ضاق العالم من حولنا وتلاشت المسافات حتى بات الناس يرون على الشاشات كل يوم ما عليه غيرهم من رفاهية واستقرار ما أرهق أهلنا بألم المقارنة.ولست أعني فقط الأموال والزينة – حتى لا يتهمني أحدهم بالشك! ولكن كرامة الانسان وأمنه من الخوف وإطعامه من الجوع، ما عدنا نقوى على التغاضي عن مضاهاة حالنا بحال غيرنا فما ننشده حق وليس منحة، ولئن كان التعذر لحالنا المؤسف وعوزنا للحياة الكريمة هو اختلاف ثقافتنا، فهي إذا ثقافة معطوبة وجب تغييرها، ولئن كانت حتمية تاريخية ستأحذنا – في يوم ما – إلى الحياة الكريمة فعلينا استعجالها لا انتظارها، ولئن يئس بعضنا عن بلوغها لسنه لزمه أن يهيئها لعياله.لا أحسب أن جدلاً سينشأ حول السمات الأساسية التي يحب الناس أن تكون في السودان المنشود، وأستميح القارئ عذراً أن أفترضها، فالسودان المنشود هو بلد حر، بمعنى أن أهله أحرار يحكمهم من يشاؤون هم وعلى النهج الذي يرضونه هم (سمها ديمقراطية أو غير ذلك إن شئت).وهو كذلك بلد مكتف بذاته عن غيره، وهذا سيعني بحكم الواقع أنه بلد صناعي في المقام الأول وليس زراعيا إذ لا يمكن للسودان أن ينهض اقتصاديا بوصفه بلدا زراعيا، وأسأل الله أن يزيل عن ثقافتنا هذه الخرافة التي لا يزال ينعق بها كل مسؤول!أخيراً، فالسودان المنشود هو بلد آمن تنعدم فيه الحروب وتقل فيه الجريمة ويحيا أهله بكثير من المسالمة وقدر من الود والتراحم.. للوصول إلى هذا البلد المنشود فإن المسؤولية تقع على كل الناس، الحكومة والمجتمع ولابد في ذلك من تغيير ثقافات أحكمت في الناس الخرافة وضيق الأفق واليأس المتلبس زوراً بلبوس القناعة.. لابد أن تزول خرافة أن شعوبنا هذه لا تصلح لها الديمقراطية لخصيصة فيها، لابد أن تزول خرافة أن شعوبنا لا تصلح أن تكون شعوباً صانعة وهي الخرافة التي أسس لها ابن خلدون غفر الله له، ثم لابد أن تزول خرافة أن شعوبنا لا تصلح أن تعيش في قطر واحد لشدة اختلاف مكوناتها وتباين ثقافات قبائلها.سأحاول في هذه السلسلة من المقالات أن أرسم تطلعات لمستقبل السودان على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى هي مرحلة التحول من نظام الحكم الحالي، والذي تزحم الأخبار في هذه الأيام بشائره.. وأرجو أن تصدق..المرحلة الثانية هي المرحلة الانتقالية، ولا أعني بها الانتقال في الحكم فقط، وإنما فترة الاضطراب التي تصاحب كل تحول من نظام حكم شمولي الى نظام حكم ديمقراطي، وهي فترة تمتد لسنوات داخل الحكم الديمقراطي نفسه أحياناً، ويكون البلد فيها في أشد حالات ضعفه ويكون معرضاً دائماً إلى العدوان الخارجي أو الردة إلى الشمولية..المرحلة الأخيرة هي مرحلة النهضة بعد أن تستقر أحوال البلد وهي التي تشمل التغيرات الأصعب (التغيير السياسي هو الأهون!)، وهي تغيير الثقافات المتخلفة والعادات المقعدة، هي مرحلة الحرية الفكرية بعد أن نال الناس الحرية السياسية.