08 نوفمبر 2025

تسجيل

فستان الفرح

22 مايو 2011

أرسلت لي زميلتي رسالة عامة على "ب ب م" مفادها الآتي: **(سؤال لم يستطع أحد الإجابة عليه: ليه يوم كنا بالابتدائي إذا رحنا للشهادات نلبس فساتين عرس؟!!) ...بالطبع ضحكت ثم ابتسمت رداً على رسا لتها واسمحوا لي أن أشارككم ردي على هذه الدعابة بالعامية: "بس فساتين عرس نافشة في الابتدائي..، نسيتي "قوطي الماكنتوش" وبسكويت البتر الإنجليزي الأزرق في يدنا حتى قبل ما نعرف النتيجة". اعتقد أننا درجنا على تربية علمتنا أن العلم هو أساس الفرح وفرحته اكبر حتى من فستان العرس نفسه. لا أعلم المقياس بين جيل اليوم وجيلنا السابق ليس في الفستان بالطبع بل في الفرحة ذاتها التي هي رمز، ولكن هذا ما يعنيه فستان الفرح في تسلم الشهادة.. التي هي أعظم فرح. ....أجبتها على عجالة وركبت الطائرة في رحلة طويلة تتخللها بالتأكيد قراءة وكتابة وأفلام وغيرها لتكسر رتابة وطول ساعاتها الطويلة.. أدرت الجهاز على الأغاني الكلاسيكية القديمة وإذا في صدفة ودون ميعاد أجد عبدالحليم حافظ يقوم من قبره على ذكرى فستان الشهادات "الفرح" ويباغتني دون أن اختار ما وقعت عليه.. بل بضغطة زر كانت تريد "زي الهوى يا حبيبي" لأجده بالخطأ يطرق زراً ليجيب على صديقتي بأغنية حقا لم أكن أتوقع وجودها في خيارات طيران القطرية في البوم عبدالحليم.. ضغطة تأبى إلا أن تضع العلم وشهادته فوق كل شيء، وقبل كل شيء، أغنية حسمت الإجابة كما أجبت صديقتي على مصاف أكبر فرحة، هتف فيها عبدالحليم "الميت": وحياة قلبي وأفراحه وهناه في مساه وصباحه ما لقيت فرحان في الدنيا زي الفرحان بنجاحه كان حلماً جميلاً في خيالنا. ولا "فاتش في يوم عن بالنا". وبنى لنا قصور وفرشها زهور.. حياتنا ومستقبلنا ولقيتني في عز هنايه والدنيا فرح ويايه بتهني حبايبي معايه وتقول للكل ارتاحوا دا ما فيش فرحان في الدنيا زي الفرحان بنجاحه الناجح يرفع ايده، نتهنى بعيدنا وعيده ونقول ونقول ناجحين على طول ونجاحنا يطول على طول على طول دايما على طول.. ناجحين على طول.... دايما دايما دايما...هيييه و "هييييه " لدينا في اللهجة القطرية كما المصرية أصوات معاني تعبر عن الفرحة.. أغنية عبدالحليم هذه عاشت مناسبات العلم جميعها خصوصاً لدى جيل في قطر ما زال يذكر كيف كانت تعلن أسماء الناجحين في الإذاعة بتلاوتها اسماً اسماً، وكانت عظمة النجاح يهتز لها الاسم وكأنها تهتز لها الدنيا. أغنية لها شعور خاص يرتبط بزيادة ضربات القلب خصوصا بداية مع إعلان أسماء أوائل الشهادات، ومن ثم الناجحين والناجحات.. أغنية ما أن باغتتني في الطائرة بزر خاطئ حتى حركت في قلبي ذات الخفقان وذات المشاعر التي "شعرتها وشعرها" بالتأكيد كل طالب ثانوية عامة في ذلك الوقت الذي كانت يُعلن فيها "خبر نجاحه" بالاسم عدّا إذاعياً. ومن ثم تغزو أغنية عبدالحليم ذاتها البيوت الناجحة.. ليلتها أحيانا مع "الطورطة" المصرية أو "الكيكة" القطرية، وغالبا ببساطة بتوزيعات "كراتين" البيبسي والميرندا "الأحمر والأصفر" على الفريج، في بهجة رغم بساطتها كنا نتذوق طعمها وحلاوتها بل وعظمتها كما صورها.. — أغنية عبدالحليم هذه صورها في فيلم قديم بالأبيض والأسود في وقت كانت قريحة الشعراء تجود على العلم بما يسعفهم به وادي عبقر الشهير من لوازم العبقرية، كما تجود على الحب والرومانسية، وحين كانت أغاني كبار المطربين وحناجرهم الذهبية أيضا لا تحتقر أغاني العلم.. وتسألون عن سر لبسنا ونحن صغار لفستان الفرح يوم تسلم الشهادة؟ في قلبي — شكرت صديقتي ودعوت لها على هذه الذكرى العبقة الجميلة التي انتشلتني من جملة الواقع، بكل إغراقه وآلامه التعليمية وإسقاطاته المأساوية والتراجيدية.. هذا هو سر فستان الفرح يا صديقتي الذي تعرى اليوم عن مفهومه ومضمونه وطوله وحشمته ليطول في شكل آخر مزر ٍ أغاني أخرى ليست في شهادة أو عرس.. بل عري في موجة جديدة من موجات الفيديو كليب ونزوته التي أفسدت الذائقة العربية وأولويات القيم. هذا هو فستان الفرح الذي نقش في ذاكرتنا قيمة العلم وقدسيته، وعظمة مقامه، التي لا يمكن ان ندخل حرمته لنحصد نتيجته إلا بأعظم لباس تقديراً وتبجيلاً. تزوج جيلنا اثنتي عشرة مرة، في وقت يعاني فيه جيل اليوم "في التعليم" شبح العنوسة. المهم في كل ذلك أن نعود للإجابة الكبرى على سؤال زميلتي، التي سأختمها بسؤال: من علمنا أن العلم هو غاية الفرح؟ ولمن يعود الفضل في تبجيل قيمة العلم لدينا؟ أطال الله عمر حيهم.. ورحم الله ميتهم.. من تعلم منهم على الميسور المتوافر في عمر قطر "العسير" قبل النفط وبكور اكتشافه، ومن تغرّب منهم وقتها من داره لا في طلب التعليم العالي النادر، بل حتى قبلها في طلب التعليم النظامي الأساسي العالي المعايير أيضاً.. وهم أطفال، وهم يزاوجون بين العمل والتعلّم، ومن كان منهم أمياً لم يترك للأمية دربا عليه.. فتعلم فك الخط وقرأ القرآن عن ظهر قلب أو بالعين قراءة نورانية، جيل عرف قيمة العلم وربي عليه لأنه وعى باكورة ما نزل من قوله تعالى: "اقرأ باسم ربك الذي خلق".. رحم الله جيل الآباء والأجداد، وحمى العلم من ضياع الهيبة. كاتبة وإعلامية قطرية Twitter: @medad_alqalam medad_alqalam @ yahoo.com