16 نوفمبر 2025
تسجيلوجه إليه الدين الإسلامي لاستمرار الحياة الزوجية التحكيم في الشقاق يفضل أن يكون من الأقارب.. وفي غير الشقاق يفضل من غيرهم إن العلاقة بين الزوجين غريزة أودعها الله في عباده، والزوجان يشكلان الركيزة الأساسية للمجتمع؛ حيث إن استقرار الزوجين استقرار للمجتمع، ولم يترك الدين الإسلامي هذه العلاقة دون توجيه ولا إرشاد، بل جعلها مقيدة وتابعة للضوابط الشرعية، وذلك لما تمليه ضرورة الاقتران من حقوق وواجبات على كلا الطرفين تجاه صاحبه بحيث تستمر معها العلاقة الزوجية. وإن الحياة الزوجية قد يخالطها ما يعكر صفاءها من الشقاق بين الزوجين، ففي هذه الحالة قد وجه الدين الإسلامي عباده إلى التحكيم بين الزوجين. والتحكيم في اللغة مأخوذ من حكم، والحكم في اللغة: هو المنع والتفويض والقضاء والإحكام والضبط والإتقان والمخاصمة. وأما في الاصطلاح: اختلف الفقهاء قديمًا وحديثًا في تعريف التحكيم، ولكن الأفضل هو التعريف الآتي: " اتفاق أطرف الخصومة على تولية شخص وهو أهل ليفصل فيما تنازعاه بحكم الشرع دون القاضي." وعرفه القانون القطري في المادة 1 من القانون (2) لسنة 2017 المتعلق بالتحكيم القطري بأنه: "أسلوب اتفاقي قانوني لحل النزاع بدلاً من اللجوء للقضاء سواءً كانت الجهة التي ستتولى إجراءات التحكيم، بمقتضى اتفاق الأطراف، مركزاً دائماً للتحكيم أم لم تكن كذلك". ◄ مشروعية التحكيم: 1/ قول الله تعالى ((وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها)). سورة النساء (35). وجه الدلالة: صراحة الآية على مشروعية التحكيم للحفاظ على الأسرة. 2/ تحكيم النبي صلى الله عليه وسلم واليهود لسعد بن معاذ، فقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم "إن هؤلاء نزلوا على حكمك" فقال سعد: "فإني أحكم أن تقتل المقاتلة وتسبى الذرية" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لقد حكمت فيهم بحكم الملك." متفق عليه. 3/ إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لتحكيم هاني في قومه، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما أحسن هذا" أخرجه أبو داود في باب تغيير الاسم القبيح، وصححه الألباني. 4/ إقرار النبي صلى الله عليه وسلم للحكم الذي حكم بين اثنين، أحدهما اشترى من الآخر عقارًا فوجد فيه ذهبًا، فقال المشتري للبائع إني اشتريت العقار دون الذهب، وقال البائع أنا بعت العقار وما فيه فتحاكموا إلى شخص ثالث فحكم بينهما بتزويج ابن أحدهما بنت الآخر ويصرف عليهم من هذا الذهب، ويتصدقون منه. متفق عليه. ◄ الفرق بين التحكيم والقضاء: 1/ حكم المحكم يقتصر على الخصمين، وأما القاضي فيعم إلى غير الخصمين. 2/ يشترط في المحكم رضا الخصوم بخلاف القاضي. 3/ المحكم صالح يكون في قضايا معينة، وأما القاضي فهو صالح لكل القضايا. 4/ يتشدد في صفات القاضي بخلاف المحكم. ◄ الفرق بين التحكيم للشقاق والتحكيم لغير الشقاق: 1/ التحكيم في غير الشقاق مهمة الحكمين هو الفصل في النزاع، فالمحكم يقوم بمهمة القاضي، وأما التحكيم في الشقاق فإن مهمته الأولى الإصلاح، فإن تعذر الإصلاح رفع الأمر إلى القاضي مع التقرير. 2/ التحكيم في غير الشقاق لا يفضل أن يكون من الأقارب، وأما التحكيم في الشقاق فيفضل أن يكون من الأقارب. 3/ التحكيم في غير الشقاق يمكن أن يكون أقل من اثنين، بخلاف التحكيم في الشقاق لابد من اثنين. ◄ شروط المحكم: 1/ الإسلام 2/ البلوغ 3/ العقل 4/ العدالة 5/ قادرًا على الإصلاح ◄ فوائد التحكيم: 1/ محاولة الإصلاح بين الخصوم بقدر الإمكان. 2/ الحفاظ على أسرار المتخاصمين أكثر مما تفضحه الجلسات العلنية. 3/ الوصول إلى حلول بدون عداوة بين الخصوم. 4/ تقليص القضايا المرفوعة للمحاكم. ◄ التحكيم بين الرجل والمرأة وقع الخلاف بين العلماء فذهب الحنفية إلى أنه لا يشترط في المحكم أن يكون رجلًا، وذهب جمهور العلماء إلى أنه يشترط في المحكم أن يكون رجلًا وبعضهم زاد على ذلك واشترط أن يكون فقيهًا. وأما قانون الأسرة القطري أطلق ذلك ولم يخصصه، فجاء في مادة 130 "يعين القاضي حكمين من أهليهما ممن يتوسم فيهما القدرة على الإصلاح، وإلا فمن غير أهليهما." والعبرة كل العبرة هي الإصلاح بين الزوجين سواء أكان المصلح رجلًا أو امرأة. ◄ التحكيم للشقاق بين أهل الزوجين وغيرهما: وقع الخلاف بين العلماء هل يشترط في التحكيم للشقاق أن يكون من أهل الزوجين؟ أو يستحب ولا يشترط؟ فذهب المالكية إلى وجوب اشتراطه استدلالًا بظاهر الآية ((فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها)) وذهب الشافعية والحنابلة إلى عدم اشتراطه، وقالوا بأنه مستحب. والصواب أنه يستحب ولا يشترط واختاره قانون الأسرة القطري، فجاء في مادة 130 "... وإلا فمن غير أهليهما." ويحق للقاضي أن يضم للحكمين حكمًا ثالثًا، إذا استدعاه الوضع، ففي مادة 132 " أو ضم إليهما حكماً ثالثًا". ◄ إجراءات التحكيم: إن التحكيم يمر بمراحل عديدة: أولًا: الاستماع إلى الزوجين. ثانيًا: معرفة أسباب الشقاق. ثالثًا: تحديد المسيء منهما. رابعًا: محاولة الإصلاح. خامسًا: إن تعذر الإصلاح يرفع التقرير إلى القاضي. والتقرير لابد فيه من توضيح كل مواضيع الخصومة، وما حدث بينهما، ويبين هل هناك إساءة من أحد؟ وكم نسبة الإساءة؟ أو هل الإساءة مشتركة؟ أو أنها الإساءة مجهولة؟ وبعد ذلك فالقاضي مخير إما أن يحكم بما في التقرير أو يعين حكمين غيرهما، أو يضم إليهما حكمًا ثالثًا، أو يحكم بما يخالف التقرير ويوضح الأسباب، مع الإشارة إلى أن المادة 134 من القانون رقم (22) لسنة 2006 بإصدار قانون الأسرة قد نصت على أنه "إذا رأى القاضي التفريق بين الزوجين للشقاق وكانت الإساءة كلها أو أكثرها من الزوجة، فيفرق بينهما بمال يقدره القاضي بعد الاطلاع على تقرير الحكمين، وإذا كانت الإساءة كلها أو أكثرها من الزوج، أو كانت منهما أو جهل الحال، فيفرق بينهما بلا مال".