11 نوفمبر 2025

تسجيل

لغتنا العربية من السمو والرفعة.. إلى الانحدار وفقدان الهوية

22 مارس 2011

اللغة منة الله العظمى، وميزة الإنسان الكبرى، لها قيمتها في مختلف ميادين الحياة البشرية وهي الخاصية التي تميز بها الإنسان عن سائر الحيوان، فلغة الإنسان مقرونة بالفكر في إصدار الأصوات وتلقيها، يحكمها العقل وينظم عمليتها ولا يجعلها أصوات خالية من المعنى. وتتطور اللغة وترتقي بتطور نضج الإنسان، ونضج عقله ورقي تفكيره، واللغة بهذا المعنى من خصائص الإنسان وحده دون سائر المخلوقات الأرضية الحية الأخرى، كما أنها من خصائص الإنسان فإنها غاية منشودة في حياته الفردية والاجتماعية. منزلة اللغة العربية تبوأت اللغة العربية مكانة رفيعة بين اللغات، فقد اختارها خالق البشر وعاء الكتاب الخالد، كما أشار إليه قوله: (وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين)، "الشعراء: 192-195". ومع نزول القرآن المجيد بهذه اللغة أصبحت هي اللغة السائدة في بلاد العرب والمسلمين، ومن هنا يمكننا القول إن اللغة العربية ربطت بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها برباط فكري لفظي، لأن القرآن ليس مجرد مبادئ وتعاليم منعزلة عن الظاهرة اللفظي بل إن إعجازه منوط باللغة العربية، وأن العربية بقدرتها وتراثها لجديرة بأن تكون وسيلة التفاهم بين الشعوب المسلمة في كل مكان وعونا على المحافظة على الوحدة الفكرية والمظهرية بين أفرادها وجماعاتها وترجع أهمية نشر اللغة العربية شرقا وغربا لمجموعة نقاط منها: 1- إن اللغة العربية تلعب دورا مهما وفعالا في مواجهة التحديات المعاصرة وذلك لأن انتشارها بين المسلمين المنتشرين في أرجاء العالم يساعدهم على تفهم دينهم ويزدهم تمسكا بطاقتهم الروحية. 2- إن العربية هي وعاء القرآن الكريم؛ فهي تساعد على توطيد ركن التعارف وتوثيق عرى التفاهم بين أبناء الوطن العربي وبين أبناء البلدان غير الناطقين بها. 3- أخرجت الرسول صلى الله عليه وسلم العربية إلى فضاء أوسع ونطاق أرحب لتكون عنوانا لأمة فقال: "يا أيها الناس إن الرب واحد والأب واحد، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم وإنما هي اللسان: فمن تكلم العربية فهو عربي" أخرجه الحافظ بن عساكر. ولقد كان من ثمار المكانة التي تبوأتها العربية أن قام الخليفة عبدالملك بن مروان بـ"تعريب الدواوين" فأصبحت العربية لغة العلم والدين والسياسة، وكذلك قام بتعريب النقود محاولا صبغ الدولة بالصبغة العربية، وكان الحرص على سلامة اللغة العربية من العوامل المهمة التي أدت إلى تعريب الدواوين، ولذلك يعتبر التعريب من الأحداث الكبيرة في المجال الثقافي والسياسي، وقد تم وفق خطة مدروسة. وقد كان اللحن في اللغة العربية سوأة ما بعدها سوأة تقدح فيمن أتى بها، ومما يحكى في شناعة اللحن عند العرب الأوائل ما قيل: إن الحجاج بن يوسف قال ليحيى بن يعمر: أتجدني ألحن؟ قال: الأمير أفصح من ذلك، عزمت عليك لتخبرني، فقال يحيى بن يعمر: نعم في كتاب الله، قال: ذاك أشنع، ففي أي شيء من كتاب الله؟! قال: قرأت (قل إن كان آباؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله)، "التوبة: 24"، فرفعت أحب وهو منصوب، قال: إذن لا تسمعني ألحن بعدها، فنفاه إلى خراسان. هذا كله جعل العربية لغة عالمية على مدار ما يزيد على ثمانية قرون، ولكن دوام الحال من المحال، فما لبثت اللغة العربية أن زالت عن مكانتها السامية، وليت هذا عن قصور فيها وفي بنيتها وإمكانية تطورها، ولكن ضعف أبنائها وتخلفهم عن الركب الحضاري العالمي أورثها هذه الحال التي يرثى لها. وهذا ما سأتحدث عنه في المقالة القادمة إن شاء الله.