18 نوفمبر 2025

تسجيل

أستثناء كلية التربية من عودة اللغة العربية

22 فبراير 2012

إذا كنا قد بدأنا مقالنا السابق (الشرق 31 يناير 2012، العدد 8629) بمباركة الجامعة ومؤسساتها التعليمية، وتهنئة منتسبيها بعودة اللغة العربية إلى حرمها الجامعي، فإننا هنا في مقالنا هذا نعزي كلية التربية في صدمتها باستثنائها من قرار العودة إلى الأصل، وحرمانها من مشاركة أخواتها الكليات الأخرى وطلبتها وأعضاء الهيئة التدريسية فيها الفرحة الكبرى بهذه العودة الميمونة المحمودة. فعزاؤنا كبير لهذه الكلية وطلبتها وأعضاء هيئتها التدريسية الذين قفزوا فرحا ومرحا بهذا القرار، وتبادلوا حوله التهاني والتبريكات فيما بينهم، ولكنها للأسف فرحة مؤقتة عمرها قصير وقصير جدا حيث إنها لم تكتمل، مصداقا لنص المثل المصري "يا فرحة ما تمت" وفعلا لم تتم هذه الفرحة، فسرعان ما تبددت هذه المشاعر الجياشة عندما فوجئت الكلية بقرار الجامعة السريع بأن يستمر الحال في كلية التربية على ما هو عليه في تدريس مقرراتها وبرامجها المعتمدة باللغة الإنجليزية، ولا تغيير للغة التدريس فيها باعتبارها من الكليات التي لم يأت ذكرها في قرار المجلس الأعلى للتعليم بالعودة إلى التدريس باللغة العربية شأنها في ذلك شأن كليتي الهندسة والصيدلة، وغيرهما من الكليات والتخصصات التي لم يشملها القرار. فالقرار بشكله ومضمونه، ونصه وثغراته وفر فرصة سانحة للالتفاف عليه وتأويله في غير صالح الكلية ومنتسبيها. ولذلك، فغير مفهوم استثناء كلية التربية من هذا القرار، ومن غير المنطقي أن تتساوى كلية التربية ذات الشأن المجتمعي الواسع، وارتباط مخرجاتها بتعليم وتثقيف أبناء المجتمع من خلال مؤسساته التعليمية مع كلية الهندسة وكلية الصيدلة باعتبارهما من الكليات النوعية المهنية المحدودة الارتباط بفئات المجتمع وشرائحه، فخريجي كلية الهندسة على سبيل المثال بحكم تخصصاتهم مرتبطين بعلاقات عمل مهني بفئات محددة في المجتمع، وبنوعيات خاصة متنوعة الثقافات والمعارف والهويات واللغات، فلا حرج في تدريسهم باللغة الإنجليزية للتعامل معها في الميدان العملي أكثر من اللغة الأم حيث الالتقاء بالمهندسين من شتى بقاع العالم، خصوصا في ظل الطفرة العمرانية التي تشهدها الدولة. ولا يختلف الأمر بالنسبة لطلبة كلية الصيدلة حيث التعامل باللغة الإنجليزية مع الأدوية والوصفات الطبية المكتوبة في الغالب باللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى تعاملهم في الميدان العملي مع الجاليات الأخرى غير العربية، فاللغة الإنجليزية بالنسبة لهم لغة قراءة وكتابة واتصال وتواصل وتفسير، وتوضيح إرشادات علاجية معينة. أما بالنسبة لخريجي كلية التربية، فالأمر مختلف على نطاقات ومجالات متعددة، فالجمهور مختلف، والإدارة مختلفة، والزمالة مختلفة، والفئات العمرية مختلفة، والمادة العلمية مختلفة، والمهنة في حد ذاتها مختلفة حيث الحاجة إلى لغة تواصل متقنة 100% من طرفي الاتصال والتواصل داخل المؤسسة التعليمية وخارجها. فالجمهور عربي، والبيئة التعليمية والأجواء العامة عربية، وأولياء الأمور عرب، وكل فئات الشعب القطري عرب في عرب. وعلى هذا الأساس، فخريج كلية التربية مسؤول عن التواصل مع هذه الفئات المختلفة من المجتمع القطري بلغتهم الأم وليس بلغة أعجمية عوجاء (غير سليمة). فلا يجوز ولا يعقل أن يُدرس أو يُعامل هذا الخريج أثناء دراسته في الكلية بلغة غير لغة المجتمع الذي يُهيئ ويُعد لخدمته فيما بعد. ولذا، فالحاجة إلى العودة إلى التدريس باللغة العربية في كلية التربية أهم بكثير منها في قسم الشؤون الدولية الذي لم يعتمد اللغة العربية كلغة تدريس على الإطلاق، ولم يستخدمها في قاعات الدراسة قط منذ نشأته كقسم أكاديمي ضمن أقسام كلية الآداب والعلوم، كما أنها أهم بكثير من بعض الأقسام التي شملها القرار. ولذا، فإذا كان هناك أولويات يعتمدها القرار في صياغته الحالية، فالأولوية لكلية التربية باعتبارها الكلية الملتصقة أكثر بأهم مؤسسات المجتمع وهي المؤسسة التعليمية في المقام الأول، وإلا فالشمولية وعدم استثناء أي من الأقسام والكليات. وإذا كان هناك أي استثناء، فلابد أن يذكر بوضوح، ولا يترك للافتراضات والتحليلات والتأويلات غير الصائبة في الكثير من الأحيان مما قد يثير الكثير من الجدل بين أوساط الجهة المعنية بالاستثناء من القرار. وهذا ما حصل في كلية التربية، حيث الاستياء والسخط وعدم الرضا في صفوف منتسبيها، والذي بدوره أدى إلى إثارة الكثير من علامات الاستفهام والاستغراب والتعجب حول استثناء الكلية من نص القرار، وما إذا كان سقوطها سهوا أم عمدا؟ وأسئلة كثيرة، وتساؤلات جمة تتبادر إلى الأذهان. فعدم ذكر الكلية في القرار، وسقوطها من مضمونه لا يعني بالضرورة استثناءها من العودة الميمونة للغة العربية إلى الجامعة، بل ربما يعني أنها كلية عربية أصلا، ولم تعتمد اللغة الإنجليزية لغة تدريس في قاعاتها الدراسية، مما يبرر عدم ذكرها صراحة في نص القرار، ولذا فمن الممكن أن يلحق القرار بعبارة صريحة تنص على شمول الكلية في القرار، ليحسم الأمر، ويزال اللبس، وتتضح الصورة، ولا مجال للتأويل والتقويل على الإطلاق. ولكن هذا مجرد احتمال قد يصدق، وقد لا يصدق، ولذا، فيتساءل الكثير من منتسبي الكلية عن صحة هذا الاحتمال، ومعقوليته ومنطقيته وموضوعيته، خصوصا في ظل التنسيق القائم بين الكلية والمجلس الأعلى للتعليم تحت شعار ما يسمى بالشراكة في التعاون فيما بينهما بشأن العملية التعليمية وتطويرها، ودور الكلية في تلبية احتياجات المدارس المستقلة من معلمين، ومعلمين معاونين، ومن في حكمهم من الكوادر البشرية. ولذلك يبرز السؤال التالي: هل غاب عن المسؤولين في المجلس الأعلى للتعليم أن برامج الكلية في ضوء التوجه العام للجامعة تعتمد اللغة الإنجليزية لغة تدريس؟ فإن كان الأمر كذلك، فتلك مصيبة، وإن لم يكن فالمصيبة أكبر وأدهى وأمر. وذلك لما يترتب عليه من تبعات لا تخدم اللغة العربية في التعليم العام في الدولة، ولن تكون لصالح الهوية الوطنية في نهاية المطاف، مما قد يعكس غياب نية تعديل المسار في التعليم العام، وعدم عودة اللغة العربية إلى قاعات الدراسة كلغة تدريس وتخاطب وتواصل وتفاعل بين أهم عناصر العملية التعليمية وهما المعلم والمتعلم، وهل بذلك تستقيم المعادلة بطرفيها مخرجات التعليم العام، ومدخلات التعليم الجامعي؟ ويا فرحة ما تمت يا كلية التربية.