10 نوفمبر 2025
تسجيلقضية الإساءات للرسول صلى الله عليه وسلم المتوالية وما يتبعها من احتجاجات واحتكاكات وتفاعلات وما تعطله من لغة الحوار وما تصنعه بين المنهجين والفريقين من تباينات وما تخربه من الثقة.. كل ذلك يطرح التساؤل عن المنطق الصحيح للتعامل مع الغرب عموما ومعه في حال الخلاف خصوصا.. ويطرح التساؤل حول إمكانية وضع إستراتيجية دائمة للتعامل مع الغرب.. وأقول: في البداية لا بد من تأكيد أن من يدفع إلى هذه الإساءات يقصد تخريب متحصلات الثقة والتفاهم مع الغرب خصوصا في ظل تحولات الرأي العام الغربي لصالح قضايانا وبالأخص القضية الفلسطينية ثم التحولات لصالح الإسلام والهداية والدعوة.. وهذا لا أقوله رجما بالغيب ولا من فكرة المؤامرة ولنتذكر ما نقلته وكالة “ قدس بريس “ عن رجل الأعمال اليهودي الصهيوني “ سام باسيل “ الذي أنتج الفيلم المسيء قبل سنتين واعترف فيه بأن داعميه يهود صهاينة وأن غايتهم دعم الكيان الصهيوني.. في ضوء هذه الحقيقة ورعاية لحصائل التفاهم والتفهم بيننا وبين الغرب فلا بد أن نجد لغة خطاب محترم بيننا وبينه وأن لا ندع المفسدين أن يخربوا ذلك بالفعل أو بالتأثير أو بصناعة الفعل واستدعاء ردات الفعل.. وحتى نخاطب الغرب أرى أنه لا بد من أمور: * أن نستعيد ذاتنا وهويتنا أولا لنحدد ما نريد وما نقبل وليعرفوا هم حدود كل ذلك فيراعوننا ونراعيهم.. وفي هذا السياق لا يمكن أن يكون مقبولا أن نحرق مساجدنا ثم نعترض على عدم سماحهم ببناء المآذن، ولا يصح عقلا أن يسمح لمهرطق ملحد مأفون في بلادنا بالتهجم على رسول الإسلام والادعاء بأن الإرهاب صدر من مكة محمد صلى الله عليه وسلم قبل ألف وأربعمائة عام ثم نعترض على توصيف الغرب لرسولنا بالإرهاب.. * وأن نعرف مصالح الغرب عندنا ومصالحنا عنده، ومواضع قوتنا أمامه ومواضع قوته، وتاريخ العلاقة بيننا وبينه، وأن نحدد ما نريد من الغرب وما يمكن أن نطلبه منه ونصر عليه أو نطلبه منه ثم نتنازل عنه أو نجامله به. * ولا يجوز أن تكون نظرتنا للغرب أحادية أو عاطفية أو إشاعية (تعتمد الإشاعات كمصدر معرفة) ولا أن تكون انعزالية، ولا أن نبنيها على تقييم واحد قديم انطباعي لا يتجدد.. فقد جد في نظرتهم وعلاقاتهم بنا وبقضايانا الكثير من الفروق بين الشعوب والنظم وبين الشعوب والشعوب.. * وأن نضع حدا للإساءات المصطنعة الموجهة منهم إلينا عبر بعض الرسامين والسياسيين والمثقفين.. من خلال التلاقي والتنسيق وعقد المؤتمرات والتواصل مع مراكز الدراسات (الاستشراق الجديد).. * وأن نعرف ما ينقدوه فينا بالضبط ودوافعه ومؤججاته ثم نصوغ تقاربا في الفهم والتفاعل مع فهمهم ومنطقهم بالأخص في مجالات حقوق الإنسان والتبادل السلمي للسلطة والتعددية السياسية واحترام الدم والإنسان والحرية.. * ولا بد أن نقدم نموذجا عمليا ناجحا صالحا لقيمنا التي نؤمن بها على الصعيد الشخصي الفردي ثم الرسمي والدولي.. هنا تطلب السلمية والإسلامية وتطلب الوحدة والمواطنة الصالحة، ويطلب الدستور الجامع والقانون الصارم والتنفيذ العادل.. * أما أن تكون لغة الخطاب هي التبعية العمياء والإعجاب المطلق وأخذ الغرب بعجره وبجره كما قال طه حسين ذات يوم أو أن نظن أن مجرد الرطانة بلغتهم كافيا لفهمهم وإقناعهم.. فهذا أبعد ما يكون عن التفاهم والخطاب المفهوم وأقرب ما يكون نوعا من التوهان الذي يثير الإشفاق أو القرف وشكلا من أشكال إدارة الصراع على قاعدة القبول بالهزيمة. آخر القول: نختلف مع الغرب هذا صحيح وبيننا وبينه من تاريخ الدماء والعنف والكراهية ما بيننا وبينه.. ولكن ليس صحيحا أن الغرب عدو بالمطلق، وليس صوابا أن نترك العدو الصهيوني وأذياله في الغرب يخربون متحصلات الثقة والتفاهم.. انسجاما مع مبادئنا السلمية والعالمية أولا ثم سعيا لمصالحنا التي تقضي بذلك ويجب أن تفضي إليه.