12 نوفمبر 2025

تسجيل

البنية الثقافية ودورها في التحول الديمقراطي

21 أكتوبر 2021

قوة الدولة تختلف من منطقة إلى أخرى داخل عالمنا العربي الكبير، وهذا الاختلاف له مدلولاته السياسية والاجتماعية وتأثيراته على تطور المجتمع وسهولة ولوجه إلى مرحلة التحول الديمقراطي المنشود، ففي البلدان التي لا تزال البنى الثقافية والاجتماعية فيها فاعلة نرى دوراً للدولة يختلف عن تلك البلدان التي لم يعد توجد فيها بنى تقليدية فاعلة أو استطاعت الدولة أن تقضي عليها، أو إذا افترضنا وجودها فإنها على الأغلب شكلية. أستطيع أن أسوق أمثلة لتوضيح ما أقصده، فالمثال على وجود قوى أو بنى ثقافية وايديولوجية فاعلة يمكن رؤيته في كل من لبنان، حيث الطوائف أقوى من الدولة أو اليمن حيث القبيلة أقوى من الدولة، وتلعب دوراً حاسماً في إدارة المجتمع وتحولاته في هذه البلدان، نجد الدولة إما خارج إطار التأثير كما في لبنان أو تتعامل بشكل سياسي يميل إلى توزيع المقدرات بين هذه البنى أو القوى على نحو توافقي لتتمكن من السيطرة على زمام الأمور، كما في اليمن قبل سيطرة الحوثي. أما المثال على شكلية هذه البنى التقليدية وعدم فاعليتها بشكل يجبر الدولة على توزيع الأنصبة فهي بلدان الخليج العربي، فالقبيلة فيها رغم وجودها إلا أنه وجود شكلي لا يستطيع الوقوف أمام الدولة وجبروتها أو إجبارها على التعامل معها أو مع مؤسسات المجتمع الأخرى بشكل أكثر حيادية، لأسباب كثيرة منها الندرة السكانية واعتماد الاقتصاد على الريع المستخرج بواسطة فعاليات أجنبية لا تشارك فيها القوى الوطنية إلا بالنذر اليسير، والجميع يعلم لما لهذه البنى الثقافية والاجتماعية بجميع أشكالها، القبلية والطائفية من دور كبير أثناء مرحلة مقاومة الاستعمار ومعارك التحرير الوطني في جميع بقاع أمتنا العربية، ولكن التحول السلبي حصل بعد الاستقلال، حيث امتلكت الدولة سواء كانت على شكل الحزب الواحد أو القبيلة أو الطائفة زمام الأمور، وتنكرت لتلك القوى التقليدية وماضيها وتاريخها وعملت بالتالي على تهشيمها أو إزالتها أو إبقائها كديكور لا أكثر ولا أقل، فأصبح الأمر وكأننا في حاجة إلى استقلال ثانٍ، ليس من المستعمر هذه المرة، ولكنه من الدولة بشكلها الشمولي الذى يدوس على بنى المجتمع التي يمكن تطويرها، بحيث تصبح نواة للتحول الديمقراطي المنشود. إن الديمقراطية في نهاية المطاف صيغة توافقية بين العديد من الأطراف ذات المصلحة المشتركة من هذا التعايش. لذلك يتطلب الأمر تحويل هذه البنى وتطويرها إلى صيغ أكثر ملاءمة للعصر. وعدم العمل على تهميشها أو القضاء عليها إذا كانت هناك رؤية مستقبلية تتعدى أبعاد المنفعة الشخصية الآنية، لذلك لا نعجب حين نقرر أن أقرب الدول العربية إلى التحول الديمقراطي الحقيقي هي تلك التي لا تزال فيها البنى الثقافية مؤثرة كالقبيلة في اليمن أو الطائفة في لبنان، بحيث يمكن تحول هذه البنى نحو الديمقراطية كما أشرت سابقاً، وأبعدها عنها هي تلك التي همشت هذه القوى أو قضت عليها، تحتاج فيها الدولة إلى تعامل خاص مع البنى الثقافية الموجودة لكي يستمر التعايش بين الطرفين وهو شرط الديمقراطية، ولكن الإشكالية تبقى عندما تكون هذه البنى الثقافية والاجتماعية أقوى من الدولة، بحيث تصبح هي الدولة لتعود الأمور إلى نقطة الصفر من جديد. فالأمر يحتاج إلى حالة من اللاحسم تستدعى التوافق كحل لا بديل عنه لكل الأطراف. [email protected]