07 نوفمبر 2025

تسجيل

العالم يقرع طبول الحرب خارج أسوار العرب

21 يونيو 2016

في عالمنا العربي المشحون مصائب وأزمات وانفجارات ننسى أننا نعيش في عالم لا نتحكم في مساراته ولا ندرك القوى التي تحركه وترسم ملامح مصيره فنرتد على أعقابنا وننكفئ داخل حدودنا لنعاني ما كتب لنا القدر (أو كتبته لنا القوى العظمى) من خرائط الانكسار والتقسيم والهزيمة. إن العالم من حولنا يموج كالبحر المتلاطم الأمواج ويهيج كالرمال المتحركة لا تستقر كثبانه على قرار، وبالطبع لا يعير اهتماما للشعوب المهزومة المغلوبة على أمرها ولا لحكوماتها ولا لنخبها لأن السياسة يديرها بدهاء من هو أقوى وأشد مناعة ويذهب ضحيتها من هو أهش عظما وأهزل عودا. ونحن أيها الإخوة العرب مع الأسف من هذه الفئة الثانية، لا حول لنا ولا قوة، نعيش في الدرجة السفلى من لعبة الأمم، بينما الدرجة العليا أي في مستوى القرار والتأثير هي التي يلعب فيها العمالقة بمصير العالم وبمصيرنا، يحركون خيوط الدمى المتقاتلة فيما بينها. تقول لنا النشرية الجيوستراتيجية الأمريكية (استراتيجيك ألرت) في عددها (12 مايو الماضي) بأن مستقبل السلام الدولي رهين التحالف بين الولايات المتحدة وروسيا والبداية من إدارة ثنائية للملف السوري. ترى النشرية المتخصصة في أسرار السياسات أن لواشنطن وجهين: الوجه الأول المعلن يتعلق بالتنسيق بين واشنطن وموسكو على أيدي جون كيري وسيرجي لافروف حول الهدنة بين المتقاتلين في سوريا (حتى ولو تم خرقها مرات عديدة لأن الخرق ذاته محل اتفاق دقيق بين الرجلين)، وكذلك حول تحديد المستهدفين بالقصف من قبل الأمريكان والروس: داعش، وجبهة النصرة. ولكن عندما يصل الوزيران الأمريكي والروسي إلى تحديد مصير الحكم السوري ما بعد الحرب، أي في الواقع مصير الأسد، فإن الحليفين يصطدمان بجدار الاختلاف الكامل، وبالطبع فليس الخلاف هنا حول مصير رجل واحد أو طبيعة نظام، لأن هذه الأمور ثانوية وتافهة بالنسبة لهما، بل هو خلاف حول تحديد المصالح الحيوية لكل من العملاقين. بوتين أثبت أنه زعيم قيصري (وريث قياصرة روسيا) وليس مجرد رئيس ذكي مثل أسلافه جورباتشوف ويلتسين فهو مدرك لعودة الإمبراطورية الروسية بقوة ويطمس كل آثار الاتحاد السوفييتي المقبور بشيوعيته وإلحاده، فهو يشرك معه في المشهد زعيم الكنيسة الأرثوذكسية، مثلما كان يفعل قياصرة روسيا (المقدسة)، وهو اليوم من هذا المنطلق يطالب باشتراك موسكو في إدارة كل الملفات الحارقة، كان أولها الملف النووي الإيراني وحل النزاع الأوكراني الروسي بما لا يتنافى مع مصالح موسكو، لأنه يمسك بخيوط اللعبة باحتلال جزيرة القرم التي تبتر ساق أوكرانيا، وتمنعها من الحركة. ففي المؤتمر الدولي حول الأمن العالمي الذي انعقد في موسكو الشهر الماضي اتفق القادة العسكريون الروس على أن يكون التحالف الروسي الأمريكي هو حجر الزاوية لضمان الأمن في العالم، وبخاصة من خلال التنسيق بين الدبلوماسيتين في محادثات (جينيف) حول سوريا. لكن الروس لاحظوا بمرارة أن الدبلوماسية الأمريكية لا تحترم بنود هذا التحالف لأن جون كيري في لقائه بالمبعوث الأممي السيد ديمستورا توجه بإنذار واضح للرئيس الأسد يمهله إلى حد شهر أغسطس 2016 حتى يتهيأ ليتنحى لتمهيد الطريق لإيجاد صيغة مقبولة للبديل في سوريا، وهو إنذار اعتبرته موسكو مبادرة مفاجأة وغير مقبولة وتنتهك روح الحلف الثنائي القائم بينهما! وبالتوازي مع هذا الخلاف سجل الروس أن زيارة مساعد وزير الدفاع الأمريكي السيد (روبرت وورك) إلى دول أوروبا الأعضاء في حلف الناتو الأسبوع الماضي، تركزت أساسا على تقوية الدفاع المشترك بنشر المنصات الصاروخية بعيدة المدى في بولونيا ودول البلطيك المتاخمة لروسيا مع تركيز قوة تتشكل من 4000 جندي وضابط! وهذا القرار عززته زيارة وزير الدفاع الأمريكي ذاته السيد (أشتون كارتر) مصحوبا بقائد أركان الجيوش الأمريكية الجنرال (جوزيف دانفورد)، وذلك تحت ستار تنصيب القائد الجديد لقوات حلف الناتو الجنرال الأمريكي (كورتيس سكاباروتي). وإلى جانب تقوية الجبهة الأوروبية فإن واشنطن أكدت عزمها على تكثيف حضورها على أراضي كوريا الجنوبية ونصبت منظومة صواريخ مضادة للصواريخ من نوع (تهاد) تحسبا لأي خطر قادم من الصين أو من كوريا الشمالية.