09 نوفمبر 2025
تسجيلعندما نشاهد صور المأساة العظمى و الخطب الجلل في مدينة حلب الشهباء و نرى أهلها يبادون لا يمكن أن نبقى متفرجين على المذابح دون أن نتحرك و أن نتأثر و أن نصرخ لكننا أيضا لا يمكن أن نتغاضى عن حقيقة ساطعة كالشمس وهي أن السوريين العرب وحدهم هم الذين يستشهدون بينما القتلة الذين يقصفونهم بالطائرات أو يبيدونهم على اليابسة أو يرسلون السلاح للمتقاتلين هم في أغلبيتهم أجانب عن سوريا و عن الشرق جاؤوا من دولهم المسيحية البعيدة (كاتوليك وأرثوذكس) لينفذوا أجندات جديدة أو يواصلوا تنفيذ أجندات قديمة لعلها تعود إلى قرون من التصادم العنيف بين الشرق و الغرب. و لتذكروا معي كيف بارك (كيريل) بطريق الكنيسة الروسية جنود بوتين الذاهبين إلى سوريا و نعت حربهم بالمقدسة يوم 1 اكتوبر 2015 ! نحن مع هذه الحرب نعيش حلقة مأساوية جديدة من سلسلة الصدام بين الشرق و الغرب في الحقيقة بين نمطين متناقضين من الحياة عوض أن يتقبلا بعضهما البعض بسلام و أمان اختار النمط الغربي المسيحي أن يفرض منظومته القيمية و فلسفته الأخلاقية و هويته الدينية على البشرية كلها وهو ما سميناه الحرب الدينية ثم الغزو الاستعماري ثم الهيمنة الثقافية ثم الاحتلال الإمبريالي باستبداد المنظومة الأطلسية و أداتها (بريتن وودس) و أخيرا التدخل العسكري المباشر كما في سوريا اليوم و لكن الأصل هو الشعور الخطأ بالتفوق الحضاري الغربي على الأمم الأخرى دون وجه حق. الاستشراق الغربي هو الذي ابتكر عبارة الشرق الساحر منذ قرون ثم هو الذي ابتدع عبارة الشرق الحائر منذ حملة نابليون على مصر و الشام ثم مصطلح الشرق الغني حين وصف تجار الغرب بلاد الشرق بأرض الكنوز ثم مقولة الشرق الحالم و كان الكتاب الرمز لفهم الشرق لديهم هو ملحمة ألف ليلة و ليلة عوض أن يكون (مقدمة ابن خلدون) التي أسست لعلم الحضارات و حللت نشأة الدول و أسباب انهيارها. و نظَّر (من التنظير) الكاتب البريطاني (كيبلنغ) صاحب جائزة نوبل سنة 1907 للتناقض و التضاد بين الشرق و الغرب حين قال «الشرق شرق والغرب غرب و لن يلتقيا أبدا» و اعتبر النقاد أن (كيبلنغ) هو المنظر و المبرر للاحتلال البريطاني للشرق (بمسلميه و هندوسييه و مسيحييه). فالعلاقات بين الشرق و الغرب تعقدت منذ أن استيقظ الغرب المسيحي على رايات أمبراطورية إسلامية عظمى نشأت منذ عهد الفاروق عمر بن الخطاب و أدخلت للإسلام كلا من الأمبراطورية الفارسية و الإمبراطورية البيزنطية فأصبح الشرق مسلما كله و أصبح البحر الأبيض المتوسط يلقب ببحر الإسلام مما دفع ممالك المسيحية الأوروبية إلى التنادي في كاتدرائية (كليرمون) الفرنسية سنة 1095م بتجهيز الحملة العسكرية على الشرق فيما سمي لديهم بالحروب الصليبية و ما سماه المسلمون (حرب الفرنجة) لأن المسلمين يأبون ربط الحرب و العنف بالدين المسيحي (كما يربط الغرب اليوم الإرهاب بالإسلام !!) بل يأبون اليوم حتى ربط الإرهاب الإسرائيلي ضد الأبرياء الفلسطينيين بالدين اليهودي و ينعتون العدوان الغاشم على القطاع بكونه تطرفا صهيونيا أما الغرب فلا يتورع عن القول بوجود ما سماه إعلامه و سياسيوه بالفاشية الإسلامية و ردد بعض الجهلة المأجورين العرب مصطلح ISLAMO-FASCISTE. ليروجوا لفكرة ارتباط دين و حضارة و أمجاد الإسلام بانحراف الغرب المتمثل في الفاشية و النازية و العنصرية وهي أمراض سياسية أصابت الغرب في عقر دياره بل و ذهب المسلمون ضحيتها كما في الحربين العالميتين. و نحن نقف اليوم في محطة خطيرة من تاريخنا الحديث ليست حلب سوى مؤشرها الفاجع و نتحول إلى غثاء كغثاء السيل كما جاء في حجة الوداع.