08 نوفمبر 2025
تسجيلكل مرة أكتب عن أحداث تاريخية، أعثر عليها في بعض الأرشيفات أو يشهد بها رجال ونساء ثقاة عاشوا الماضي، إلا ويبعث لي بعض الذين عايشوا تلك الأحداث من بعيد، وكانوا حول الزعيم بورقيبة ليلوموني عما يعتقدون أنه تنكر للزعيم، وإساءة للرجل الذي حسب رأيهم كان رئيسي وولاني بعض المناصب ثم (حسب رأيهم) يعيبون علي "انقلابي على تاريخ الزعيم". وأنا أتفهم مواقفهم هذه لكني أوضح لهم أن من عمل تحت زعامة بورقيبة هو المطالب أكثر من غيره أن ينير طريق الأجيال الشابة بشهادة الحق لا بشهادة الزور، ثم إن الزعيم الراحل رحمة الله عليه، لم يدع العصمة فهو كما رددت مرات عديدة لا ملاكا ولا شيطانا، بل هو إنسان.. وثالثا فالزعيم لا يزال حيا ببصماته على تونس وحاضرها ومستقبلها لأن بعض التوانسة يعتقدون وهم أحرار بأن النمط البورقيبي الذي يتشبثون به هو نمط خالد لا يحيدون عنه وأنا نفسي أسهمت في تعزيزه حين ولاني الزعيم مسؤولياتي في الثمانينيات بل ووشح صدري بوسام الاستقلال ثم بوسام الجمهورية لكني أيضا أنتمي إلى تلك القلة من الدستوريين التي اضطهدت في عهده، ففي شبابي الأول عانيت من الملاحقات وحجز جواز السفر في أواخر الستينيات واستنطاقات محافظ الشرطة حسونة العوادي، ثم في الهزيع الأخير من عهده حوكمت ونفيت وعانيت 10 سنوات ملاحقة من إنتربول و14 سنة "منافي" منذ 1986 حينما تم عزله في قصره وأجبروه على طلاق زوجته وسيلة وطرد ابنه الوحيد واضطهاد وزيره الأول محمد مزالي، وإقصاء أقرب وأقدم المخلصين له علالة العويتي ومحمود بن حسين، وذلك تمهيدا للانقلاب عليه يوم 7 نوفمبر 1987. عشنا في المنافي الطويلة نحن الذين لم ننقلب عليه ولم نقل كلمة حقد أو شتيمة بل كنا والله يعلم (والوثائق تشهد)، نطالب بفك أسره وإنهاء سجنه بينما كان هؤلاء الذين نصبوا اليوم أنفسهم حماة تاريخ بورقيبة والكهنة المحافظين على المعبد صامتين خائفين لا ينبسون ببنت شفة يسكنهم الرعب من دولة بن علي التي قاومنا نحن استبدادها طيلة 23 سنة وهم قاعدون! اليوم يتظاهر هؤلاء بالولاء المطلق لبورقيبة بعد أن سكتوا عن سجنه في دار الوالي بالمنستير من 1987 إلى وفاته دون عائلة ولا رفاق سنة 2000!! اليوم أكشف جانبا عجيبا من تاريخ بورقيبة.. فيوم 18 يناير جانفي 1952ألقت سلطات الاستعمار القبض على بورقيبة ونفته في جزيرة جالطة الموحشة وفكر في تحريك سواكن الشعب التونسي ليقوم بالثورة المسلحة (تذكروا إحياء الشعب التونسي لعيد الثورة يوم 18 يناير جانفي 1952) فاتصل الزعيم سرا بالمقاومين الذين تعرف عليهم منذ الثلاثينيات ثم كتب للشعب التونسي رسالة عجيبة بخط يده استعمل فيها الزعيم تحريك الشعور الإسلامي في المواطنين، وهي منشورة في الصفحة 459 من كتاب محمد مزالي (نصيبي من الحقيقة) يقول بورقيبة حرفيا: (إلى الدستوريين المجاهدين المخلصين فإن الفقير إلى ربه الحبيب بورقيبة رئيس الحزب يرغب من كل تونسي مسلم أن يمتثل لأوامر أخي في الدين والوطن والجهاد السيد الشاذلي قلالة محل ثقتي، ويعينه بكل ما في استطاعته في هذه الظروف العصيبة، وله عند الله أجر المجاهدين الأبرار وعند قومه فخر العاملين الصابرين حتى يمن الله علينا بالنصر المبين، وتكون كلمة الله هي العليا ويلقى الظالمون المنافقون جزاءهم في الدنيا قبل الآخرة وتكون العاقبة للمتقين، وثقوا أن الله معنا والله أكبر والسلام على من اتبع الهدى وفاز من يرضي الله والوطن".. الإمضاء الحبيب بورقيبة. طبرقة 18 مارس 1952).. هذا نص رسالة الزعيم وهو المعروف بأنه رائد التوجه العلماني لكنه كان يدرك أن الدين هو الذي يعبئ الجماهير ويدفعها لتحرير تونس.. وأفسر لكم العنوان الذي اخترته للمقال، فقد عثرت على عدد من أشهر المجلات الفرنسية (باري ماتش) صادر في أبريل 1952 يحمل صورة للزعيم بورقيبة ومقالا بقلم أكبر محرري المجلة (رايمون كارتييه) جاء فيه: (بورقيبة الذي كنا نصنفه معتدلا وتلميذا نجيبا للثقافة الفرنسية، نكتشف أنه إرهابي إسلامي يدعو للجهاد ضد فرنسا، تأملوا عينيه الزرقاوين تنضح حقدا وتطرفا).. أليس غريبا أن نكتشف نحن اليوم هذا الجانب المجهول من تاريخ الملحمة النضالية التونسية؟