06 نوفمبر 2025

تسجيل

جميلة هي صفقة تحرير الأسرى.. وجميل معناها

20 أكتوبر 2011

تخيلت لو أن جيشا من جيوشنا – مجرد تخيلت ! - تحرك لتحرير ألف وسبع وعشرين أسيرا فلسطينيا وعربيا من سجون ومعتقلات الاحتلال الصهيوني وتسنت له كل ظروف النجاح في مهمته .. وتساءلت .. كم كان يجب أن يكون عديد هذا الجيش وعتاده ؟ وكم رتبة لواء وعميد وعقيد ومقدم ورائد ونقيب كان يجب أن يكون عليه ؟ ومن أي أرض سينطلق ؟ ومن الزعيم الذي سيتبناه ؟ ومن من أنظمتنا سيقف معه ويؤيده ؟ ومن منهم سيطعنه في الظهر ؟ وتساءلت : كيف سيكون أثر ذلك على المنطقة لعشرات السنين القادمة ؟ فكانت الصورة شائكة ومعقدة .. ثم نظرت فيما فعلته حماس يوم أسرت شاليط وما أنجزته يوم بادلته بكل هذا العدد من الأسرى وكيف أنها بيضت السجون من الأسيرات ومن الأطفال .. فقلت الحمد لله تعالى وحده الذي يكيد للمؤمنين وينصرهم ويمكر بالكافرين ويخيبهم .. وأعود بذاكرتي إلى يوم الأحد 29 جمادى الأولى 1427هـ الموافق 25 حزيران يونيو 2006 م حيث قامت مجموعة لا تزيد على ثمانية من المجاهدين الذين ( صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) من المقاومة الإسلامية الفلسطينية المجيدة – حماس وألوية الناصر صلاح الدين وجيش الإسلام – بالعملية التي أسمتها " الوهم المتبدد " واستهدفت فيها الموقع العسكري لجيش الاحتلال على الحدود قرب مدينة رفح .. واستطاعت في وقت لا يزيد على خمس عشرة دقيقة ما بين الساعة 5.13 – إلى 5.28 من فجر ذلك اليوم التاريخي أسر الجندي " شاليط " وصالت وجالت وجاست خلال ديارهم وعلت وتبرت حصونهم تقتل وتجرح وتدمر ثم تنسحب مخلفة وراءها لواء جفعاتي - المييز والموصوف – يتحسس رأسه وجنبيه ويلطم ويبكي مصابه وخيبته كما تبكي النساء .. وأنظر إلى مشهد تحرير الأسرى اليوم ونافذة الأمل التي فتحت وإبداع القيادة السياسية لحماس وإخوانها في الفصائل الآسرة الذين جعلوا نتنياهو يجثو على ركبتيه يتوسل الصفقة – كما يقول إعلام العدو نفسه – فأراه نصرا لا يقل عن نصر ذلك اليوم ، وأنظر فرحة الأمهات والأخوات والآل والأحبة بتحرير أبنائهم من محكومي المؤبدات وتحرير النساء والأطفال .. فأحمد الله تعالى أنه لا يزال فينا من يسد عن الجيوش الجرارة ومن يعوض فارق القوة ، ومن يختصر الزمن باتجاه النصر .. جميل هو هذا الإنجاز وجميل ما منحه الله تعالى للمقاومة بهذا النصر المؤزر وجميل ما أنعمه تعالى علينا بالمقاومة الإسلامية .. وجميل أن تعود الكرة على الكافرين وأن تدور عليهم الدوائر كما دارت على أسلافهم وجميل أن يأتيهم الله من حيث لم يحتسبوا وأن ينبت لهم حماس كما أنبت موسى عليه السلام لفرعون الأول .. وجميل أن تهزم حماس كبرياء هذا العدو المتعنت المتغطرس الذي لا يعجبه شيء ولا يردعه شيء وجميل أن تهتك ردعه وأن تحط قدره وأن تخسئ مكره .. فالحمد لله رب العالمين .. صحيح أن كلمة " جميل " في مقام وصف هذا الإنجاز وهذا الإبداع كلمة صغيرة ضئيلة وأقل من أن تعبر عن طعم الحرية بالنسبة للأسرى وأهاليهم وشعبهم وقضيتهم ، وعن أثر ذلك على جدارة المقاومة وجدواها وأهليتها واستحقاقها للثقة ، وهي كلمة لا تعبر عن معنى النصر المؤزر الذي انتزعته المقاومة انتزاعا من وجه العدو وشحمه ولحمه وأعصابه وكرامته وهيبته وردعه .. ولكن بريق الحقيقة وروعة المعنى أهم من أن تتنازعه كلمات الإطراء .. والحمد لله رب العالمين .. جميل أن تأتي هذه الصفقة بعد خمس سنوات من أسر الجندي الصهيوني .. سنوات خمس كان كل يوم فيها وكل ساعة وكل عشر دقائق نصرا إضافيا في سجل عز المقاومة بقدر ما كانت صحيفة سوداء مشبعة بالخزي والعار في سجل الجيش الذي لا يقهر والأمن الذي أقام دولة .. جميل أن تكون الأمور صعبة عليهم كما عبر عن ذلك رئيس وزرائهم السابق المهزوم والخاسئ " ايهود أولمرت " عندما قال " لقد رافقني أسر شاليط ساعة بساعة ولقد اتخذنا قرارات حيال قضية أسر شاليط وفعلنا أمورا لا يمكن التحدث عنها ولكن مازال جلعاد ليس معنا وهذا أمر مؤلم وصعب ! " وجميل أن يفشل وأن يعجز رئيس وزرائهم الحالي " المدلل والمتباهي " وأن يقول : " جربنا كل الطرق الممكنة لإعادة شاليط ولم ننجح " ، وجميل أن يبرز للعدو من صفوفنا من يجعل المفاوضات سلاحا لنا لا علينا ، وأن يجلس لها بندية وشموخ لا يتوسل ولا يترجى وتأتيه الوساطات ليقرر هو ما يقبل وما يرفض من العروض .. وجميل أن لا تقوم المفاوضات على وفاض خال ورجاء خائب .. وجميل أن يقول رئيس وزرائهم " لقد كانت مفاوضات صعبة ومتعبة " .. جميل أن نرى طهارة وصلابة المقاومة ووعيها وصبرها واقتدارها في التفاوض والعمل السياسي كما رأينا دائما طهارتها وصلابتها ووعيها وصبرها واقتدارها في الميدان والمواجهات البطولية الفدائية والعسكرية .. جميل أن يرى العدو إصرار قيادة المقاومة على الوفاء للأسرى ليعلم أنها عصية على التدجين ، وأن يرى ثباتها ليعلم أن في شعبنا من لا تهزه عواصف الإغراءات وصوارف التسيد والبريستيج .. فالحمد لله رب العالمين .. ربما سيكتب شاليط مذكراته وقد يعدل في القول فإن فعل فسيذكر العجائب من حسن تعامل حماس معه عبر ألف وثمانمائة يوما عايشوه فيها ورعوه وحموه لكن ليس على حماس أن تنتظر ذلك فقليل من الناس من ينصف عدوه .. فلتكتب وبالتأكيد قد وقع بينها وبينه – الأسير - من المجاملات والجوانب الإنسانية في لحظة مرض مرضها أو خوف خافها أو دمعة شوق دمعتها عينه ما يعلم العالم كله أن رجال حماس إنما هم مقاومون إنسانيون ومحترمون وعادلون وليسو إرهابيين ولا عدميين ولا معتدين .. وأن الإرهابي هو الاحتلال الذي يمارس على الأسرى كل صنوف الترويع والعزل واجتياح حقوقهم وتعذيبهم وتقطيع أجسادهم وسرقة أعضائهم وتجريب الأدوية وتعليم الأطباء المتدربين عليهم .. جميل أن يفهم وأن يقتنع بعض ذوي القربى أن خطف الجندي الصهيوني كان إنجازا استراتيجيا كسر معايير التبادل التي كان العدو يصر على تثبيتها عبر عشرات السنين وعبر كل إفراجاته التي كان يمتن بها عليهم وكان يقتطع مقابلها مواقفهم ، جميل أن يفهموا أن أسر شاليط كان يستحق التضحيات التي عيّروا بها حماس يوم قالوا : " هل خطف جندي واحد يستحق 450 شهيدا " جميل أن يفهموا أن تحرير الأسرى تحريرا محتشدا بالثورة والعز ومليئا بالمجد ومشبعا بالندية لا توازيه ولا تعادله ولا تقاربه إفراجات العدو على مقاييس العدو ، جميل أن يفهموا أن المقاومة ليست عدمية وليست عبثية وأن لعملياتها نتيجة سوى " توريط الشعب الفلسطيني " كما كانوا يقولون .. هي تحرير الأسرى وكسر إرادة العدو وإخضاعه ورسم البسمة على شفاه الآباء والأمهات وعلى سحب السماء وغدران المياه وأشجار التين والزيتون .. آخر القول : جميل كل ما في الصفقة وجميلة كل رسائلها .. وجميل أنها رسمت خطا عريضا باتجاه التحرير الكبير .. وباتجاه المصالحة مع شركاء الوطن .. وما النصر إلا من عند الله "ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم" .