17 نوفمبر 2025
تسجيلالرجولة في معاجم اللغة هي تلك الصفة التي تجمع في بوتقتها عددًا كبيرًا من القيم والأخلاق، حيث تأتي الشجاعة على رأس تلك القيم والأخلاقيات، ثم الشهامة والكرم والصبر وضبط الأعصاب وغيرها كثير كثير.. فالرجولة غير الذكورة، إذ كل رجل هو ذكر، لكن ليس بالضرورة أن يكون العكس صحيحًا. الفرق هائل بين النوعين، رغم أنهما فسيولوجيًا يشتركان في الخواص الحيوية، لكن بالتأكيد يختلفان فيما بعد ذلك. تأمل حين يصف الله تعالى مؤمن آل فرعون بالرجولة، وقد هب فجأة في موقف خلده القرآن إلى يوم الدين، ووقف في وجه فرعون، الذي كانت تخشاه مصر كلها يومذاك (وقالَ رَجُلٌ مُؤمنٌ من آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ الله). وقف بصلابة وثبات موقف، بعد أن شعر بخطورة الأمر على نبي الله موسى عليه السلام، فاستحق بذلك لقب الرجل، لثباته والصدح بكلمة حق في وجه سلطان جائر. وهل يقدر على مثل هذه المواقف غير الرجال؟القرآن خلّد كذلك ذكرى رجل مؤمن آخر في سورة ياسين (وجاء من أقصى المدينة رجلٌ يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين). حيث وقف ونادى قومه بالحق يدعوهم لاتباع المرسلين والحق المبين، فخسر حياته واستشهد في سبيل كلمة الحق، واستحق خلود الذكرى، وأن يصنفه الله ضمن فئة الرجال المؤمنين الصادقين.الفاروق عمر، رضي الله عنه جلس يومًا مع أصحابه وقال لهم تمنوا، فقال أحدهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءةٌ ذهبًا أنفقه في سبيل الله، وقال آخر: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤًا وجوهرًا أنفقه في سبيل الله وأتصدق به.. ثم قال: تمنوا، فقالوا: ما ندري ما نقول يا أمير المؤمنين؟ فقال: ولكني أتمنى رجالًا مثلَ أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة، فأستعين بهم على إعلاء كلمة الله.يقين عمر أن مهمة إعلاء كلمة الله لن يقدر على القيام والوفاء بها سوى الرجال، أو من يحملون أخلاقهم، وذكر أبا عبيدة ومعاذ وسالم، وإن كان عدم ذكره لبقية الصحابة، لا ينقص من قيمتهم في شيء، فإنهم والله جيل لم يتكرر بعد، إذ إن الرجال قليلون في كل زمان ومكان، وصناعتهم تحتاج وقتًا وصانعين مهرة. ولقد كان أعظم الصانعين هو الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم. أكرم من ظهر من الرجال إلى يوم الدين.لب الحديث أن الرجولة ليست حكرًا على أناس معينين، لكنها صفات وطبائع وقيم ويمكن بذل الجهد في سبيل التحلي بها، والتدرب على اكتسابها بل وممارستها على أرض الواقع، عبر همة وإرادة، مع رغبة خالصة في دخول عالم الرجال.. فيما عدا ذلك، سيبقى الذكر ذكرًا إلى ما شاء الله أن يكون.