11 نوفمبر 2025
تسجيلأثار سفير دولة الإمارات العربية المتحدة في واشنطن (يوسف العتيبة) جدلاً كبيراً بين النخب العربية عامة والخليجية خاصة، عندما أعلن أن دول الحصار تسعى لأن تتحول إلى العَلمانية خلال عشر سنوات! خصوصاً في ظل بيئة دينية متشددة وواقع اجتماعي متشددة قام عليهما النظام ضمن التوحيد وارتكز على القرآن والسنة. وعلى ما يبدو أن السفير كان أمام إغراء المايكروفون، فحاول "دغدغة " عواطف الصحفيين وإشباع نَهمِهم بشيء مثير! كثير من الناس يعتقدون أن العَلمانية – بفتح العين لا كسرها – Secularism تعني الإلحاد والكفر، وكما قال الكاتب القطري عبدالعزيز الخاطر: "العَلمانية في نظرنا "تهمة" وليست سياقاً تاريخياً". ونُضيف: إن بعضهم – إذا ما أراد أن يناقش قضية الإصلاح السياسي والإداري، بما في ذلك السياق الفكري المُصاحب لعملية الإصلاح – فإنه سوف يُواجَه بهذه التهمة (العَلمانية) والتي عادة ما تكون قد استوطنت الجزءَ الخلفي من " مخّه" منذ عقود. وتعريف العَلماني هو نسبة إلى العَلْم بمعنى العالم، وهو خلاف الديني أو الكهنوتي (المعجم الوسيط). ولأن أغلب الدول العربية في الخليج تركز على السياق (الفقهي) في المعاملات، فإن هنالك حالات في دول أخرى تضع ممارسات داعيةً لاستمرار هذا النهج وإجهاض أي محاولة دون استمراره. ويرى المعارضون للعَلمانية أنها تهدف إلى التالي: 1- عزل الدين عن المجتمع عزلاً تاماً، وإتاحة الفرصة لقيام تربية لا دينية، وقيام نظام سياسي لا يستهدي بالشريعة، وتأسيس اقتصادٍ على الربا. 2- إبعاد قطاع أصيل من الفكر الإنساني، وهو جانب الروح والوحي وعالَم الغيب وكل ما يتصل بالدين من أخلاق وعقائد وإيمان بالله، وعزله عزلاً تاماً عن الفكر والحياة". (أنور الجندي، سقوط العلمانية، شاكر النابلسي، العرب بين الليبرالية والأصولية الدينية، 2010، ص 109). بينما يرى الفريق الآخر أن التوصيف المتعارف عليه، من أن العَلمانية تعني (فصل الدين عن الدولة) ليس دقيقاً. ويرون أن التعريف الأشمل للعَلمانية هو "أنها مفهوم سياسي/ اجتماعي نشأ إبّان عصر التنوير في أوروبا، عارضَ ظاهرة سيطرة الكنيسة على الدولة وهيمنتها على المجتمع، وتنظيمها على أساس الانتماءات الدينية والطائفية. ونادى هؤلاء بفصل الدين على أسس إنسانية تقوم على معاملة الفرد على أنه مواطن ذو حقوق وواجبات، وبالتالي إخضاع المؤسسات والحياة السياسية لإرادة البشر، وممارستهم لحقوقهم وفق ما يرون، وما يحقق مصالحهم وسعادتهم الإنسانية، وهذا هو التعريف الذي ورد في (موسوعة السياسة). ويرون أن تكون العلاقة الدينية بين المرء وربه، لا بين العبد والحاكم أو الفقية وربه. ويتهم أصحابُ هذا الاتجاه أنَّ تعريف (فصل الدين عن الدولة) إنما هو من صُنع فقهاء الأنظمة الحاكمة كي يحولوا دون سلبهم سلطاتهم التي تُجيز لهم حقَّ الاستبداد والاستئثار واضطهاد الشعوب المحكومة بالحديد والنار باسم الدين والدفاع عنه. ويرون أيضاً أن حصول الإنسان على حقوقه مقابل قيامه بأداء واجباته ليس خروجاً على الدين؛ لأن الدين قائم على فضيلة الاختيار.(www.eltwhed.com). وتُعرّف بعضُ المصادر (العَلمانية) بأنها ليست الإلحاد، بل إنها مجموعة من المبادئ التي تحتوى على أمرين: 1- الفصل بين الكنيسة والدولة. 2- الناس باختلاف دياناتهم وعقائدهم (حتى هؤلاء الملاحدة) متساوون أمام القضاء. ويرون أن العَلمانية هي أفضل الوسائل للحياة، بمن فيهم المؤمنون. (www.atheistrer.com) ويرى الفريق الرافض للعَلمانية "أن العقائد الإسلامية لا يمكن أن تبقى وتُحفظ في مجتمع عَلماني، وأن العقيدة في أصولها مناقضة لأصول العَلمانية، لأن الشهادتين تعنيان الاستسلام لأحكام الله سبحانه وتعالى وأوامره، والاستسلام لأحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الإسلام فيه تركيب منسجم ومتوازن بين الدين ومشاغل الدنيا أو بين العالم الدنيوي والعالم الأخروي" ( www.Shamela.ws) إن الموضوع متشعب وطويل، لكن ما يهمنا بعد هذا التوضيح المُستحق، هل فعلاً ستصل دول الحصار إلى النهج العَلماني بعد عشر سنوات، كما قال (العتيبة)؟ وهل بالإمكان تغيّر نهج ديني راسخ عبر 15 قرناً نتيجة استحقاقات سياسية؟ وهل سينسى الجيل الحالي ما وضعه أصحابُ الفضيلة العلماء المسلمين لتسيّر حياة الناس والفصل فيما يشجُر بينهم من خلافات؟ وهل سينسى هذا الجيل كلَّ ما قيل على المنابر على علاقة الإنسان بخالقه، وأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ويرمون كل ما تم تسطيره من فقهاء الدين لمئات الآلاف من الكتب، في البحر؟ وهل يمكن أن يقوم الحُكم "الجديد" في المنطقة على أُسسٍ تخالفُ ما تم التعارف عليه من التوحيد والعلاقة الراسخة بين النظام والهيئة الدينية التي استمد النظام قوتَه منها في التأثير على المجتمع وتطويع هذا المجتمع تحت شعار (عدم مخالفة ولي الأمر)؟ إذ في ظل النظام العَلماني يسقط هذا المبدأ، وتصبح للفرد حقوق مقابل ما عليه من واجبات، وأن من هذه الحقوق قبوله لما يراه صالحاً لحياته ومجتمعه، حتى لو خالف "أوامر" ولي الأمر!! وهل ستَسكت الهيئة الدينية المتشددة في دول الحصار على هذا التوجه – الذي يُعتبر خطيراً وغير مقبول في كافة الأوساط الاجتماعية والتنظيمات القبلية، التي لا ترتضي مثل هذا التوجه الغريب على المجتمع !؟ كما أن هذا التوجه لا يتطلب فقط تغيّر مناهج التعليم، بل يتطلب إصلاحات عديدة في القوانين المحلية، وفي أسلوب الحياة ، ونهج المسالك الدعوية وأحاديث المنابر. وللأسف، لم نسمع أصوات علماء الأمة حول هذا الموضوع في دول الحصار، خصوصاً في المملكة العربية السعودية التي رعت التوحيد وتحتضن الحرمين الشريفين؟ طبعاً لا يجوز تجيّر الدين للسياسة، أو محاولة الظهور بمظهر "حضاري" لدى الغرب والأمريكان، بإطلاق هذه الدعوة إلى العَلمانية، في مجتمع إسلامي محافظ، بل وشديد الالتصاق بالنص، ويقوم الحُكم على أُسسٍ (ثيوقراطية) يستمد منها قوته وثَباته! والمجتمع في المنطقة العربية بأسرها لربما احتاج لعشرات أو مئات السنين كي يتحول فيه الإصلاح أولاً نحو الدولة المدنية، فيكف يمكن قبول فكرة التحول إلى العَلمانية ؟ أعتقد لو دعا الوزير (العتيبة) إلى التحول إلى الملكية الدستورية في تلك الدول، لكان هوّن الأمر عليه وعلى من سمعوه!، مع أن الدول العَلمانية أصبحت أكثر تحضّراً من الدول الأخرى؛ بل توجد دول إسلامية عَلمانية، لم يشكك أحدٌ في كفرها ولم توضع المشانق لحكامها!؟