05 نوفمبر 2025

تسجيل

إيران وطالبان .. محبة بعد عداوة

20 يوليو 2015

يبدو أن المثل الشعبي الذي يقول "ما محبة إلا بعد عداوة" والذي يتطابق مع إحدى القواعد الأساسية للعلاقات الدولية التي تقول "إنه لا عداء دائما ولا صداقة دائمة وإنما مصالح دائمة"، أصبح ينطبق على العلاقات التي تربط إيران بحركة طالبان التي كانت تحكم أفغانستان قبل الاحتلال الأمريكي الغربي لها في العام 2001، حيث تحولت إلى حركة معارضة مسلحة ضد نظام الحكم الذي أتى به الاحتلال.وخلال فترة حكمها لأفغانستان، كانت علاقات العداء تربط بينها وبين إيران لأسباب كثيرة يتعلق أبرزها بالدور الذي لعبته طهران لمساعدة أعداء الحركة، وكذلك الاعتبارات المذهبية، حيث تنتمي طالبان إلى المذهب السني، في حين إيران تتبنى المذهب الشيعي. وكاد هذا العداء أن يتحول إلى حرب طاحنة بين الطرفين في عام 1998، وذلك حينما قامت طالبان في يونيو 1997 بإغلاق السفارة الإيرانية وطرد العاملين منها، متهمة إيران بالتدخل في الشؤون الداخلية الأفغانية وإرسال الدعم العسكري للشمال تحت شعار المساعدات الغذائية الإنسانية، واستمر التوتر بين الدولتين وبلغ ذروته على خلفية أزمة مقتل الدبلوماسيين الإيرانيين التسعة في القنصلية الإيرانية في "مزار شريف".ومع تطور الأحداث حشدت إيران 70 ألفًا من قوات الحرس الثوري على الحدود مع أفغانستان وقابلتها حركة طالبان بحشد 25 ألفًا من مقاتليها ونشر صواريخ "سكود"، غير أن تراجع إيران ومبادرة طالبان بالإفراج عن عشرة من الأسرى الإيرانيين ثم عن جميع الأسرى، فضلاً عن المصالحة بين الحركة وقادة الهزارة الأفغان.. كل ذلك أدى إلى تهدئة التوتر بين الطرفين.لكن بعد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، تغيرت العلاقات بين الطرفين ووصلت لمستويات غير مسبوقة من التعاون. فقد قام وفد من الحركة بزيارة إلى طهران في عام 2012 للمشاركة في مؤتمر "الصحوة الإسلامية"، ثم جاءت الزيارة الثانية التي تمت بسرية تامة عام 2014، لكن هذه السرية لم تستمر طويلا، إذ تم الإعلان خلال الأيام الماضية عن زيارة أخرى هي الأكثر أهمية لوفد من الحركة برئاسة "طيب أغا" وأعضاء بارزين في الحركة، وأجرى لقاءات مع مسؤولين كبار، منهم وزير الخارجية الإيراني "جواد ظريف"، وقائد الحرس الثوري "قاسم سليماني". وقد قدم الوفد طلبًا رسميًا إلى ظريف من أجل السماح لطالبان بفتح ممثلية في طهران، إضافة إلى طلب مساعدة من إيران لمكافحة تنظيم داعش والجنود الأمريكيين في أفغانستان.هذه الزيارات دفعت الإعلام الأمريكي للحديث عن هذا التعاون الذي يتطور بصورة متسارعة، فقد نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية عن مسؤولون أفغان وأوروبيين أن إيران دأبت في الفترة الماضية على تقوية علاقاتها مع حركة طالبان الأفغانية سرا وبعيدا عن الأضواء، وأنها اليوم تدفع رواتب بعض مقاتلي الحركة وتمدهم بالسلاح.وقالت الصحيفة إن المسؤولين يعتقدون أن لإيران هدفين في دعم طالبان، الأول هو مواجهة النفوذ الأمريكي في المنطقة، والثاني إعطاء نفسها ثقلا نوعيا جديدا لمنافسة الثقل الذي أصبح تنظيم الدولة الإسلامية يحظى به بعد أن امتد نفوذه للأراضي الأفغانية.كما أشارت الصحيفة إلى بعد إستراتيجي في الخطوة الإيرانية، ففي ضوء تصاعد النشاط العسكري لطالبان والآفاق الجديدة لمحادثات السلام بينها وبين حكومة كابول، فإن هناك احتمالا بأن تعود طالبان للسلطة عن طريق المشاركة في الحكم.وتحدثت الصحيفة عن بعد آخر للتعاون الجاري بين طهران وطالبان، حيث إن هذا التعاون يفتح صفحة جديدة من الأخطار التي قد تنتج عن الاتفاق النووي بين واشنطن وإيران، ذلك أن هذا الاتفاق والتسهيلات التي حصلت عليها طهران سوف تفتح الباب واسعا أمامها لاستخدام موارد جديدة في دفع أجندتها الإقليمية، ودعم طالبان ما هو إلا مثال على ذلك.من هنا يمكن أن نفهم أن حركة طالبان ذات الفهم الأصولي تسعى لاستغلال علاقتها بطهران لمواجهة حكومة كابول وقوات الاحتلال الأمريكي للعودة إلى السلطة مرة أخرى، في حين تسعى طهران إلى استغلال الحركة لخلق يد لها في أفغانستان تستخدمه ضد باكستان التي أعلنت تأييدها للتحركات السعودية ضد نفوذ إيران في منطقة الشرق الأوسط. وكذلك استخدام مئات آلاف المهاجرين الأفغان في الحرب التي تشنها في سوريا لحماية نظام بشار الأسد وكذلك لمواجهة نفوذ داعش. فهل سينجح الطرفان في الوصول بهذا التعاون إلى تحقيق هذه الأهداف؟