05 نوفمبر 2025
تسجيلبعد فشل معظم نظريات ومفاهيم القرن العشرين، وبعد فشل الأيديولوجيا من الشيوعية والاشتراكية والليبرالية والقومية والرأسمالية خاصة بعد تكرار الأزمات وآخرها أزمة ٢٠٠٨ وما بعده ونكوص معظم ما يسمى بالعالم الرأسمالي عما كان يبشر به، مثل عدم تدخل الحكومات في عمل السوق الحر، ولكن بعد أزمة ٢٠٠٨ كان العالم الرأسمالي هو من كان يدفع بكل ما أوتي ليحض الحكومات على التدخل، وبعد أن كان لا يرضى بالعرب والمسلمين، لتملك الشركات والمؤسسات الغربية، عمل لكي يدفع الحكومات والمؤسسات العربية، لضخ الاستثمارات في المؤسسات الغربية، وأغدق على العرب والصناديق السيادية المديح، كان هذا السقوط المدوي لما عرف بالرأسمالية في آخر لحظاتها، ولحق ذلك ما يسمى بالديمقراطية التي سمحت لبلد يدعي قيادة العالم الحر الديمقراطي، بالاعتداء على بلد حر مثل العراق وتدميره، وخلق النماذج الغير الإنسانية مثل أبو غريب وبقرام وجونتنامو ، لقد فقد إنسانيته ومبادأة وأخلاقياته، وعمل بشكل ممنهج على اختراق حقوق الإنسان التي كان وما زال يتغنى بها عندما يكون حديث الساعة عن أقوام وبلدان أخرى، أما عندما يكون هو محط الحدث فإنه يجد ما يبرر سلوكياته، بل يحور ويكيف القوانين لكي تخدم أغراضه، إذا سياسة واقتصاد ومفاهيم سقطت قبل نهاية القرن العشرين، ما بقي شاهد نجاح هو التنمية، ففي البلدان التي انتهجت نظمها التنمية حققت نجاحات كبيرة، وكانت التنمية هي أداة التغير والتطوير البنيوي والاقتصادي والتعليمي والمجتمعي، فالثورات كما لحظناها لم تؤد لما أملته الشعوب، وهذا يتضح من البلدان التي قامت بالثورات، من بلد المليون شهيد إلى الجمهوريات والتي تحولت إلى جمهوريات تورث الحكم إلى القيادات في تلك الثورات، والتي أصبحت هي العائق لتقدم بلدانها، أو التغيير السلمي للنظام، ما زال البعض ينظر للنظريات والمثاليات التي كانت سمت القرون السابقة، من القرن السابع عشر والثورة الفرنسية إلى الثورات والانقلابات التي تبعتها ولكن لم تستقر الأمور إلى بعد مئات السنين، ما رأينا وما سمعنا وما قرانا وتعلمنا ينبئ بأن ما سلكته الإنسانية حتى الآن لم يعد بخير على أممها إلا عندما كانت التنمية هي الأساس، والتنمية كفيلة بتغيير النفوس والأفكار والسلوكيات، فمبنى جديد بني بعناية واكتسى بالرخام والجرانيت والزجاج يجعل من الشخص منضبطا، وفي وضع نفسي يفرض عليه تحسس طريقة بين جمال المبنى وهندسته المعمارية، سيمتنع عن رمي السيجارة على الرخام اللماع ولن يبصق على الجرانيت ويلقي بالأكياس على الألمنيوم المصقول، بل يبحث عن مكان يرمي فيه القمامة مسموح، ما تحدثه التنمية في النفس الإنسانية قادر على تشكيل تصرفاته وتجعله يبحث عن مصدر هذا الجمال والكمال من أجل أن يجعل من تصرفاته شيئا يواكب كل هذا التطور، التنمية بجمالها وبدقتها وبتناسقها ومنطقها وعلومها، تحفز الإنسان على طلب تلك العلوم التي تخلق ذلك الجمال، كل ما يصرف على واحات التنمية هو استثمار وكل ما يبذل من جهد لإقامة المشاريع هو عمل وطني بامتياز، ما يخلق مساحة في ذهن الإنسان لكي ترفهه وتسلية وتعلمه وتربيه، هو جهد مطلوب وكل خطوة ولبنة في عملية التنمية، هي خطوة في بناء جيل جديد وأمة وطموح وكرامة وعزة تجعل من الشعب شعبا حضاريا ومنفتحا على الأفكار والتطورات وعلى أفضل الممارسات المجدية، وتجعلة يتقبل العمل المبدع من كل الناس من المواطن والمقيم والزائر والداعم، التنمية هي درب المستقبل وممارسة البناء وهي غاية الأمم في هذا العصر وغيره من العصور، التنمية تخلق روح الانتماء لدى أفراد المجتمع، وليس هناك دواء لمجتمع مثل إحساس الفرد بالانتماء لذلك المجتمع، التنمية تجعل من المشاهد والمساهم والمتأمل فردا ينتمي لمجتمعه، فإحساسه بأن المشرع والمطور يهتم بما يعمله لمجتمعه يخلق ذلك من الانتماء والولاء ما لا يخلقه نظام آخر، ما يرينا هذا أن العمل والتركيز على التنمية وجعلها شفافة هو الطريق الأفضل لخلق مجتمع مترابط يعمل من أجل المصلحة العامة، لأن هناك من هو معني بصحته وتعليمه وبناء مجتمعه على كل الأصعدة، فالإحساس المتكون داخله هو ما الذي أستطيع عمله كي أساهم وأقدم ما بمقدوري أن أقدمه، كل أفراد المجتمع من مواطنين إلى ضيوف إلى مقيمين، الكل لا يملك إلى أن يساهم في التنمية، ويريد أن يكون جزا منها، ودور القطاع الخاص في التنمية لا يقل أهمية عن دور الدولة، بل إن له مساحة عمل ليست في متناول الدولة، خاصة المشاريع الصغيرة واحتضان أصحاب المشاريع من الشباب، هكذا يكون الاقتصاد وهكذا يمكن تطويره ورفع وتيرة نموه، والأداة الأفضل هي التنمية المجتمعية المستمرة.