13 نوفمبر 2025

تسجيل

أيها الشباب: عليكم بالاعتدال فيما نحب ونكره

20 مايو 2012

ما أعجب شأننا في هذه الحياة.. نعلم أن بقاءنا فيها محدود، وإقامتنا فيها منصرمة، ومع ذلك فإننا لنغرق في الأمل حتى لكأن الخلود من لوازم الحياة، ونسترسل في الطمع حتى لكأن الدنيا قد كتب لها البقاء.. ونحب الشيء فنفرط في الثناء عليه والتخلق به حتى لكأنه الحلو الذي لا مرارة فيه ونكره الشيء فنفرط في النفرة منه والتشهير به حتى لكأنه المر الذي لا حلاوة معه. فهذا مصلح يزعم المعجبون به أنه فوق الأهواء، والشهوات، ويراه المبغضون أنه أناني لا يعمل لغير نفسه، مادي لا مسعى إلا لأهوائه وشهواته، فإذا عمل فليس إلا للشهرة. وهذا حزب يزعم أنصاره أنه الطريق الوحيد لمجد الوطن وخلود الأمة، بينما يزعم خصومه أنه طريق الفوضى والشر لكل ما تملكه الأمة من قيم. وبينما تجعل بعض الصحف من فلان باني الأمة وحارس الاستقلال، إذا بصحف أخرى تجعله خائنا مأجورا مخربا، يستحق الموت.. ويستأهل اللعنة، ويحمل كل وزر وخزي وفساد في مجتمعنا الحديث.. وهكذا ضاعت مبادئ الإصلاح، وقيم العلماء وجهود المخلصين، في غمار هذه العداوات المشجرة التي جعل منها الإفراط في البعض أو الحب، مقابر للمروءات والكرامات، وأسلحة لهدم الوطن. إن الاعتدال في كل أمر هو ملاك الخير كله، ولذلك جاء الإسلام بالنهي عن المغالاة في كل شيء: نهانا عن أن نغالي في رسل الله حتى نزعم لهم صفات الألوهية: "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل"، ونهانا عن الغلو في العبادة حتى ينقطع صاحبها عن الحياة ويرهق نفسه في السهر والعبادة، كما نهانا عن الإفراط في النفقة "ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا" المائدة: 9. ونهانا عن الغلو في العصبية الخارجية عن قواعد العدالة "ثلاث منجيات، وثلاث مهلكات: فأما المنجيات، العدل في الغضب والرضا، وخشية الله في السر والعلانية، والقصد في الغنى والفقر، أما المهلكات: فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه"، رواه الطبراني في الأوسط. هذه هي روح الشريعة: اعتدال في كل شيء، ووسط في كل أمر، وبذلك سماها الله تعالى أمة وسطا: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا" البقرة: 124. الاعتدال فيما نحب ونكره، والتثبت مما نقبل ونرفض، والتأني فيما نصادق ونجافي.. هو سبيل الخلق الكريم وخطة العاقل الحكيم، وطريق الأمة الواعية التي تأخذ بقدر، وتعطي بقدر، وتؤيد بقدر، وتعارض بقدر. يا أبناء هذه الأمة، يا شباب الربيع العربي: إن حياتنا مليئة بالمتاعب والأخطار.. وان أعداءنا كثر مستيقظون.. وان امكاناتنا متوافرة مثمرة.. فلا تفرطوا في الموهوبين، ولا تشككوا في إخلاص العاملين، ولا تضيعوا أوقاتكم في الجدل حول المباني والأشخاص، جدل تنطمس فيه آثار الحق، كل موهبة من مواهب الأفراد هي ملك لكم جميعا، وكل عمل من أعمال الأشخاص هو ثروة لكم جميعا، وكل ساعة من عمر الواحد منا هي وقت من أوقات الأمة جميعا، فلنتجنب الغلو ولنعتصم بالاعتدال.. ولنثق بأن ملاك السعادة في حياتنا الاجتماعية، ومفتاح الاستقامة في أخلاقنا وعلاقاتنا وصداقتنا... هذا وبالله التوفيق.