15 نوفمبر 2025

تسجيل

سلبية الإفراط في الإثارة عبر وسائل الإعلام

20 مايو 2011

أدرك تماماً بأن العناوين الصحفية للحوارات والتحقيقات التي تنشر تتم وفقاً لمعايير محددة ومنظمة أيضاً لكي يتوافق المضمون مع العنوان، و هذه المسألة حساسة ودقيقة في ذات الوقت، إذ إن تحقيق التوازن في هذه الناحية أمر بالغ الأهمية، وقد تجنح الوسيلة بهذا الصدد إلى المبالغة أحياناً لجذب القارئ ولفت انتباهه بمعزل عن التوافق في هذه الناحية بين العنوان والمضمون وهنا يبرز عامل الثقة وأعني بذلك ثقة القارئ بالمطبوعة عطفاً على ما أشرت إليه وهذه في تقديري من أبرز الملامح التي ترسخ ميول المتلقي تجاه الوسيلة، وقد يتم استنباط العنوان من السياق سواء كان تحقيقاً صحفياً أو مقالة أو مقابلة مع مسؤول وهذا ما يوقع البعض في حرج بالغ إزاءه لاسيَّما إذا عكس العنوان معنى الموضوع، ولا مشاحة في التسابق من حيث التميز وإدراج عنوان يليق بالمادة ومحتواها لا أن يعصف بالمقالة ويجردها من بهائها، بل قد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى حد التحوير غير المقصود كأن يكون الأمر تحذيراً، ليخرج العنوان وبفعل الجراحة التجميلية غير الموفقة إلى تحريض، وبالمقابل قد تكون الجراحة ناجحة وتنتقي المطبوعة عنواناً أفضل من العنوان الذي ورد إليها، محققة بذلك التناسب في هذه الناحية، ولما كان الهدف من اختيار العناوين اللافتة من قبيل الإثارة من تضخيم وتفخيم فإن الأثر يكون بالغاً، بل قد يصل إلى مرحلة الإحراج والتجريح في كثير من المواقف، خصوصاً في المجلات، وتحديداً على الغلاف، فما تلبث أن تجد عنواناً مثيراً، وتفاجأ بأنه لا يعدو كونه جملة غير مكتملة في سياق مبتور تم استعمال جزء منها لغرض دعائي بحت، وهذا يندرج في نطاق التضليل والتسطيح، وأما الزواج والطلاق خصوصا المشاهير فحدث ولا حرج و لربما تم الاستنتاج والاستنباط لمجرد الإيحاء، والأدهى من ذلك عندما تستند الوسيلة إلى الشائعات في نشر الخبر بعيداً عن التقصي والتحقق، وهذه المسألة لا تورثها فقدانها لقرائها فقط بل إنها بذلك تسقط ميثاق الشرف الصحفي وأمانة الكلمة، وإذا كان الإطار أصغر من الصورة فإنك تستطيع التصرف في قص الصورة لتناسب مع الإطار وتبقى المعضلة إذا كانت الصورة أصغر من الإطار لأن الفراغ سيكون من الوضوح ما يتيح للقارئ اكتشاف هذا الأمر، وكلما كان العنوان أقرب إلى الواقعية كان أكثر صدقاً في هذا الجانب والعكس كذلك فإن تجاوز الواقعية إلى الخيال أو بمعنى أصح المبالغة ابتعد عن الموضوعية، ومن نافل القول أن هذا الأمر يتطلب مهارة فائقة فضلاً عن الحرفية المهنية، لأن التعامل يتم مع الكلمة ولا ريب أن اكتساب الوسيلة الخبرة في هذا الجانب من خلال الممارسة عبر التعامل اليومي مع زخم المواد التي ترد إليها يتيح لها استقراء المادة بشكل جيد، ولا أطالب في هذا السياق بتنحية الإثارة جانباً وهي جزء لا ينبغي التقليل من أهميته بهذا الصدد بل إنها تعتبر من مقومات نجاح المطبوعة، فمن غير المعقول أن يجري المحرر لقاء صحفياً يزخر بوابل من الأسئلة الثقيلة والخفيفة مع شخص ما وفي الغالب يكون المقابل مسؤولاً أو مشهوراً ولا يقع في خطأ غير مقصود أو زلة لسان، لينتقي المعد هذه السقطة أو تلك، ليبرزها ويطرحها على الملأ في ظل غياب التنقيح وهو من صميم عمل المحرر أو المعد، وهذا في تصوري ليس عامل إثارة وجذب بقدر ما تشكل انتهازية مفرطة وتصيد للعثرات ليس له ما يبرره وفي إطار التسلق على هفوات الآخرين وزلاتهم، ويستطيع القارئ استشفاف الموضوع واكتشاف انتفاء القصد من السياق بانتفاء الإصرار، وبمناسبة ذكر التسلق تحضرني طرفة أو بالأحرى موقف طريف رواه لي أحد الأصدقاء وقال لي محذراً إذا أردت إنقاذ إنسان من الغرق فلا تأتي من أمامه، فقد رأيت أحد الأشخاص وكنا في المسبح وذهب إلى المكان العميق وهو لا يجيد السباحة فأقبلت عليه لأساعده من الأمام وكدت أغرق أنا الآخر، لأني أصبحت كالسلَّم ويريدني ثابتاً تحت الماء ليتسنى له التنفس لدرجة أني أحسست بإصبع رجله الكبير داخل أذني، الغرق سهل والإغراق كذلك , بيد أن الصعوبة تكمن في الإنقاذ وما يتطلبه من مهارة، وإذا كان عامل السرعة مهماً في هذه الناحية فإن الكيفية التي يتم بها الإنقاذ لا تقل أهمية لكيلا يغرق الاثنان، وقبل هذا وذاك لم لا يكون للوقاية دور في ذلك والوقاية خير من العلاج فحري بمن لا يجيد السباحة بأن يتوخى الحذر بابتعاده عن الأماكن العميقة والخطرة في ذات الوقت، وهنا أرغب في أن أسوق اقتراحاً بهذا الصدد ربما يكون من شأنه حفظ حقوق جميع الأطراف الأدبية، وتحديداً فيما يتعلق باختيار العنوان إذا كان يمثل رأي أشخاص، وهو أن يتم إشعار المعني بالأمر أو بمعنى أدق المقٌابل بالعنوان برسالة عبر الجوال أو البريد الإلكتروني قبل النشر وهذا من حقه لأن الموضوع يخصه وبذلك تكون الوسيلة أثرت البعد الأخلاقي والرقي الفكري، على الأسلوب التجاري المحض والذي كما أشرت آنفاً قد يفقدها قراء بدلاً من كسبهم وهو قطعاً لا يتناسب وتوجه المطبوعة، إضافة إلى أن هذا الأمر من شأنه تعميق الثقة وتفعيل التواصل، وهذا لا يدع مجالاً للشك في نبل الأهداف بعيداً عن أهداف التسلل التي تثير الجمهور لفترة ضئيلة بينما تبقى النتيجة مرهونة في احتساب النقاط من عدمها، وفي شأن متصل فإن هذا الأمر ينسحب على جميع وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية.