07 نوفمبر 2025
تسجيلبعد سنتين ونيف على بدء "الربيع العربي"،يكاد المشهد "الثوري" يعاكس ما كان يؤمل منه.ليس من بلد عربي عرف حراكات شعبية إلا ودخل في آتون انقسامات وفوضى والمزيد من الضعف والبلبلة والقلق على مستقبل وحدته ومصير مجتمعه. إذا كان المثال المصري نموذجا للتفتت الاجتماعي والسياسي والنموذج اليمني قابلا لتشرذم إضافي على الواقع القبلي والجهوي والمذهبي،فإن عدم الاستقرار ميزة ما تبقى من دول الثورات ومن ذلك الوضع في تونس والبحرين، فضلا عن اندثار الدولة في ليبيا الغنية بالنفط والتي لن يسمح لها بالقيام في ظل الأطماع الغربية الشديدة في نفط بات في متناولها على طبق من ذهب وبأقل جهد عسكري أطلسي. غير أن الوضع في سوريا يبدو الأخطر من بين النماذج التي ذكرنا،حيث تقاطعت تعقيدان محلية وإقليمية ودولية عكست مدى الأهمية القصوى للموقع السوري في الاستراتيجيات كافة وهو ما كان معروفا من قبل اندلاع الأحداث فيها ولكن ليس بالدرجة الكافية. إذ إن أحدا لم تصح حساباته في إمكانية سقوط النظام السوري بسرعة وفي إمكانية انهيار الجيش وانقسامه عاموديا والانقلاب على النظام.كما لم تصح توقعات بتحوّل في الموقف الروسي أساسا ومن ثم في الموقف الصيني.لقد ظهرت سوريا على أنها رقم محوري في السياسة الإقليمية والدولية. لكن استطالة عمر الأزمة كان سببا في دخول البلاد مرحلة قاسية من التدمير الممنهج لكل مقومات وحدة الأرض والمجتمع ووجود الدولة بحد ذاته.وانسحب التحلل السوري على كل ما يحيط به من دول ومجتمعات مجاورة فامتد إليها مهددا بدوره التماسك،الهش أصلا فيها.وهو ما اختبره ولا يزال كل من لبنان والأردن والعراق. يتيح"الربيع" في حركات المجتمعات ما يتيحه الربيع في الطبيعة من أمل وتفاؤل.غير أن نظرة إلى واقع الكتلة العربية واضطرابها وانقسامها وتفتتها يحيلنا إلى خلاصة قاتمة ومؤسفة لم يسبق للعالم العربي أن شهدها.وليس من مراء أن الرابح الأكبر هو العدو الإسرائيلي وقوى الهيمنة الغربية التي تجدد استعمارها للمجتمعات ونهبها للثروات بأشكال جديدة. وإذا انتقلنا من "العرب" إلى كل من إيران وتركيا لا نواجه صورة مختلفة كثيرا. فإيران التي تسعى لتكون قوة إقليمية عظمى تواجه حصارات متعددة ومتوالية اقتصاديا وعسكريا وحتى جغرافيا. وبقدر ما تستمر الاضطرابات في العراق وسوريا ولبنان تواجه إيران وضعا حرجا وصعبا يستنزف قدراتها ويقلص من إمكانية أن تلعب دورا كبيرا على الساحة الدولية بما يتناسب مع حجم الطموح الذي تتطلع إليه.ولا شك هذا مكسب إسرائيلي وغربي كبير. أما تركيا فإنها ورغم ما يبدو ظاهريا من أنها تغرد خارج السرب ولاسيَّما على صعيد التنمية الاقتصادية،غير أن معايير الربح والخسارة مما يجري في المنطقة منذ سنتين وحتى اليوم تضعها في الكفة نفسها حيث العرب وإيران.فلقد اختلت علاقات تركيا بالعديد من الدول التي دخلت معها في علاقات استراتيجية مثل لبنان وسوريا والعراق وإيران وروسيا.ومع أن تركيا في الأساس تعرّفت على جراثيم الانقسام الإثني والمذهبي قبل غيرها من الدول العربية والإسلامية ومنذ حوالي القرن فإنها تتأثر جدا بما يجري في سوريا والمنطقة العربية والإسلامية وتعرّض وحدتها ولحمتها الاجتماعية،الهشة جدا في الأساس، لمخاطر كثيرة.ونرى تركيا تُستنزف بمواردها وطموحاتها لتكون في تنافر مع أشقاء عرب ومسلمين فيما تنجح واشنطن في إعادة العلاقات إلى مجاريها بين تركيا وإسرائيل. لقد استنزف "الاضطراب الكبير" في المنطقة العربية – الإسلامية القوى الثلاث الرئيسية فيها وهي الكتلة العربية وإيران وتركيا.وهو ما يؤثر سلبا على إمكانية قيامها بأدوار مؤثرة أو حاسمة على صعيد رسم صورة المنطقة بما يخدم تطلعات شعوبها في الحرية والرفاهية والاستقلال الوطني الكامل. وإذا كان من رابح أول وأوحد فهو إسرائيل التي لم يجد الرئيس الأمريكي باراك أوباما لدى زيارته لها مؤخرا أي قلق أو حرج من تجديد الشراكة الأبدية معها من دون أن يجد من يعترض عليه ولاسيَّما في الجانب العربي. لقد استنزفت تطورات "الربيع العربي" وتكاد تحطم كلية، الأدوار التاريخية لكل من العرب وتركيا وإيران،وهم المكونات الأصلية للمنطقة في مقابل اطمئنان إسرائيل،نتيجة لتراجع تلك القوى، إلى دورها الذي لا ينازعها عليه أحد.وهو ما يجعلنا نقول أن الشعوب العربية والإسلامية لا تزال تبحث،منذ أكثر من قرن ونصف القرن، عن يقظتها التي تحييها وتجعلها رقما مؤثرا في الساحة الدولية، ولم تعثر عليها حتى الآن.