11 نوفمبر 2025

تسجيل

متى نناضل بحرية؟!

20 مارس 2022

من الجميل أن يكون للإنسان مبادئه وقيمه السامية، وأن تكون له رسالة نبيلة، يعمل على إيصالها وخدمتها في هذه الحياة، بل ويدافع عنها برغبة تنبع من إيمان وثيق، ويحاول بثها والعمل بها بين أطياف المجتمع، فبجانب اهتمامنا بمصالحنا المادية وكيفية تنميتها وتطويرها والدفاع عنها، يتوجب علينا ألا نغفل أهمية وجود رؤية ورسالة لحياتنا، وأشواق وآمال وطموحات نسير وفقها، ونسعى لتحقيقها متجاوزين في ذلك جميع المصالح المادية التي تربطنا بالأرض، إلى تلك المصالح التي تعلقنا بالسماء. على أن كل من لديه تلك المفاهيم ويحاول أن يطبقها في حياته، فهو بذلك يناضل في سبيل بلوغها، بل وقد يضحي في سبيلها، فكم من البشر من آمن بقضية معينة أو فكرة أو مجموعة من الآراء، فيجد نفسه مقاتلاً شرساً في الذود عنها، وهنا إن لم يتنبه للأمر، فقد يقع في شباك التعصب، والتزمت لما يناصره ويدعو إليه، فيبالغ في إظهار محاسنه، وينسب إليه من الفضائل ما ليس فيه، فيقع في الغلو والتوهم، محاولاً بذلك أن يجذب الآخرين نحو ما يعتقده ويؤمن بصحته، وهذا بعيد عن احقاق الحق وإرساء العدل، والامتناع عن مدح النفس، فلا يمدح الإنسان نفسه إلا عند الحاجة كما اقتضت الشريعة الإسلامية. ولا ينطبق ذلك على المناضل وحسب، فهناك بعض من الناس، في حياتهم اليومية، من يسرف في مديح نفسه، والثناء على ما يقوله أو يفعله أو يقتنيه، ويبالغ في الذم والتبشيع فيما يقوله أو يفعله أو يقتنيه الغير، فهم متعصبون لذواتهم، يرون أنهم في أعلى الترتيب، فلا يمكن لأحد أن يفوقهم، علماً ومالاً وذكاءً ومنطوقاً وحسباً ونسباً....الخ، لا يقولون ولا يفعلون إلا ما هو صائب، وما يقول ويفعل الغير فهو بلا قيمة، كما يعتقدون. والإنسان حين يناضل عن أفكاره وينتصر لقضاياه، ينبغي عليه أن يتحرى الموضوعية، فينزل الحق منازله، فلا يذم الآخرين، ولا يجتهد في فضح عيوبهم، ولا ننكر إننا قد نتفهم ذلك، فالأمور لا تبين ولا تتضح إلا بأضدادها، وعقد المقارنات لإثباتها، فمن يتزمت ويتعصب لأمر ما، يلجأ لإبراز ثغرات وأخطاء ما يناقضه ويخالفه، وبالتالي فإنه يغذي روح التعصب، ويقع في مشكلات التصنيف والتنميط، فهذا إخواني، وذاك سلفي، وآخر إسلامي ليبرالي أو يساري...الخ وقس على ذلك من التصنيفات المتعددة، التي تنتشر هنا وهناك، في المجالس، وعلى منصات التواصل التي لا تهدأ، وبين الشباب والصغار أيضاً، فهم ينهلون من بيئة مسمومة، ولا يستثنى النساء من ذلك، بل لهم نصيب الأسد في التفنن في أشكال التصنيف والتنميط، ومعظم هذه الأحكام قد بنيت على الظنون أو التأويلات غير الدقيقة، وبذلك فلا يتوقع أن يقف الآخر مكتوف الأيدي، بل سيأخذ على عاتقه، الرد بالمثل، فيدخل بذلك في دوامة لا خلاص منها. ومن يدخل في دائرة التعصب، يعمى على بصيرته، فيحول ذلك دون التفكر في آرائه، ونقدها، فجل همه هو الترويج لأفكاره، ونشرها، فيعرض عن نقدها، ويدأب على نشر فضائلها، وتبيان محاسنها، ويغفل عن تقييمها ونقدها نقداً ذاتياً، بغية الوصول إلى افضل ما فيها، فلا غنى للأفكار عن النقد والتقييم، وإلا ذوت وجفت وتحجرت. وقد يضيق البعض بالواعظين والنصّاح، فيعرض عنهم، ويصم الآذان عن قولهم، وهذا من مظاهر ضعفه، وغطرسته، أن لا يتقبل نقداً، ولا يستمع لتعليق لا يشتهيه، بينما النقد هو عصب التطور، وأساس الارتقاء إلى الأفضل والأحسن، فبناء سور عتيد حول الأفكار وعدم السماح بانتقادها يؤدي إلى تزايد فرص الوقوع في الأخطاء، وقد خبت ثقافة النقد والتناصح بين الناس، فغاب الناصحون والوعاظ، بعد أن سيطر عليهم الخوف مغبة الوقوع في الحرج، والقيل والقال، ومهابة النبذ من الآخرين، بعد أن أصبح الناصح مكروهاً، مرفوضاً، فركنوا إلى الصمت، مرغمين لا مختارين. ومن هنا كان الانفتاح مهماً للحد من التعصب والتحيز، فالانغلاق على الفكر، وعدم تقبل مختلف الآراء والأفكار، يزيد من دائرة الخصوصية، ويبعث النفور من كل رأي مخالف ومختلف، كما أن الإقرار بأننا مختلفون، وبأننا جميعاً لدينا بعض التحيزات وربما نوعاً من التعصب، شئنا أم أبينا، فمهما ارتفع الوعي لدينا، ستظل رؤيتنا عن الآخر ناقصة، فمن الصعب بلوغ درجة عالية في فهمنا للآخرين، وبالتالي يصعب الوقوف منهم موقفا صحيحاً، وإذا كنا نعترف بمحدودية فهمنا لذواتنا، فإن محدودية فهمنا للآخر أشد وأصعب! كما أننا لا يمكننا أن نتصور مقدار الضرر الذي قد يلحق بالآخرين، إلا إذا تخيلنا وجودنا في محلهم، فإن كان ذلك، تمكنا من الشعور بمشاعرهم، ووقفنا على أسباب تفكيرهم، فقد نكره ما يكرهون، ونحب ما يحبون، ومن ثم يمكن أن نقلل من حدة التحيز أو التعصب تجاه الأشخاص، أو آرائهم وأفكارهم. وأخيراً فمهما بلغت منهجية التفكير لدى الإنسان من النضج والبلوغ، ومهما تمتع بطاقات ذهنية بالغة،فإن فرص الزلل واردة، في طريقه لفهم الواقع ومعالجة قضاياه، ولكي يصل المناضل عن آرائه وقضاياه إلى غاياته، أصبح لزاماً عليه أن يتخلص من قيود النفس، قبل أي قيود أخرى، فلا يخضع لسيطرة التعصب، ولا يخنع للانغلاق، وينهج نهج النضال الحر، فيمارس التعقل في التفكير والتدبير، ويتحلى بروح الموضوعية والانفتاح، وأن يتقي الله في كل ما يقول ويفعل، وأن يلتزم الحذر من الوقوع في فخ الظنون، فلا يميل مع هوى النفس الظالمة المجحفة، فيخسر دينه، وقضيته، ومجتمعه. دمتم بود [email protected]