08 نوفمبر 2025
تسجيلتنحدر حصة الزراعة في الاقتصاد اللبناني من سنة إلى أخرى حتى بلغت حوالي 5% من الناتج المحلي الإجمالي تبعا للحسابات الوطنية لسنة 2009، ومن المرجح أن تنقرض إذا استمرت السياسات الاقتصادية المنحازة لقطاع الخدمات، لم نسمع أي من المسؤولين ينبه إلى خطورة الوضع، إذ إن الانشغال في توزيع الحصص الحكومية هي أهم بكثير وبالتالي لماذا يضيعون أوقاتهم في معالجة الوضع الزراعي المتدهور، هنالك من يعتقد في لبنان ألا أمل للزراعة فيه، وبالتالي يتناسى حيوية القطاع التي كانت ظاهرة جدا حتى بداية الحرب اللبنانية، من لا يؤمن بالزراعة اللبنانية يرغب عن قصد أو من دون قصد بتهجير سكان الريف إلى المدن وهذا ما يحصل في لبنان منذ أكثر من 20 سنة. يعتقد البعض أن هدف الزراعة يكمن فقط في إنتاج السلع الغذائية، إنما الحقيقة هي غير ذلك، إذ هدفها يكمن في خلق مجموعة سكانية ذات صحة ممتازة وتعتمد برامج غذائية سخية ومدروسة، للزراعة إذن علاقة قوية بالصحة والغذاء والبيئة والتنمية والتوزع السكاني والفقر وغيرها. يربط "آدم سميث" مؤسس العلوم الاقتصادية التطور الزراعي بالثروة الوطنية، قال إن الزراعة تخلق الثروة وبالتالي يجب التنبه لها والعناية بها، فالاقتصاد الحر، الذي وصفه سميث في كتابه "ثروات الأمم" والصادر في سنة 1776، لا يعني أبدا تطوير الخدمات على حساب القطاعين الأولين المهملين في لبنان، لذا تسعى الحكومات الجدية إلى مساعدة المزارعين على زيادة إنتاجيتهم ليس فقط للمنافع الاقتصادية البديهية، وإنما خاصة للتأثيرات الاجتماعية التي تنتج عن الزراعة. في فترة 1980 – 1997، ارتفعت إنتاجية العامل الزراعي سنويا 4% في اليابان و7% في كوريا الجنوبية و2.3% في الهند و3.7% في ماليزيا و2.3% في تايلاندا و3.9% في تايوان الصينية نتيجة وعي الحكومات لأهمية الزراعة ودورها، لا شك أن إنتاجية المزارع اللبناني انحدرت نتيجة الأوضاع الأمنية والسياسات المتهورة. من الضروري أن يستمع المسؤولون اللبنانيون إلى ما قاله منذ أسابيع الرئيس أوباما وهو يعرض برنامجه الاقتصادي للسنوات المقبلة، قال إنه يأمل في أن تتضاعف الصادرات الزراعية الأمريكية مرتين قبل سنة 2014 علما أن هذه الصادرات ارتفعت من 114.8 مليار دولار في سنة 2008 إلى 115.8 مليار دولار في سنة 2010 وهي زيادة محترمة جدا في فترة أزمة مالية حادة كالتي تعيشها أمريكا، كانت الصين المستورد الأول (17.5 مليار دولار) تبعتها كندا (16.9 مليار). كلما زادت الصادرات مليار دولار، كلما خلقت حوالي 8 آلاف وظيفة جديدة، هذا يعني أن مجموع الصادرات الزراعية الحالية سمحت بخلق حوالي مليون فرصة عمل، في فترة 1980-1997، ارتفعت إنتاجية العامل الزراعي الأمريكي سنويا حوالي 3.2% مما أسهم في زيادة الإنتاج حتى لو لم يرتفع عدد العمالة في القطاع. استفادت الزراعة من التطور التكنولوجي والعلمي الهائل في القطاع، أينما نحن مقارنة باهتمامات المسؤولين تجاه اقتصاد بلدهم ومصالح شعبهم؟ أما في فرنسا، الأرض الزراعية الخيرة والتي يعبر المسؤولون فيها دائما وعمليا عن أهمية الزراعة، يفتتح الرئيس الفرنسي سنويا المعرض الزراعي الغني جدا بمحتوياته وإنتاجه وتقنياته مما يشير إلى اهتمام الرئاسة الفرنسية بهذا القطاع الكبير، ترتفع إنتاجية العامل الزراعي الفرنسي سنويا بنسبة 5.5% وهي من الأعلى عالميا وتعود إلى السياسات الزراعية الجيدة المعتمدة منذ عهد الرئيس ديغول، أما أوروبا عموما، فتعبر عن اهتمامها الزراعي عبر السياسة الزراعية المشتركة التي تتكون من مجموعة تدخلات ودعم مدروسة وذات أهداف مركزة. يبلغ الدعم الزراعي الأوروبي حوالي 100 مليار دولار سنويا مقابل 95 مليار في الولايات المتحدة و60 مليار دولار في اليابان، لذا نتيجة للسياسات الزراعية الوطنية والإقليمية، ترتفع إنتاجية العامل الزراعي الإيطالي حوالي 5.2% سنويا والبريطاني 3.4% وبنسب مماثلة لدول المجموعة الأوروبية الـ 27. ارتفاع أسعار المواد الغذائية هذه السنة نبه العالم إلى خطورة الإهمال الزراعي الدولي، سبب هذا الارتفاع زيادة في عدد الفقراء أي أن هنالك دوليا 13% من سكان العالم لا يحصلون على الغذاء المنوع والمناسب، كما أثر ارتفاع الأسعار سلبا على موازنات كل الدول، النامية منها خاصة، صحيح أن الاقتصاد الدولي يتوجه أكثر فأكثر نحو الخدمات، لكننا في لبنان تخطينا الخطوط الحمر المعروفة تبعا للتجارب الدولية والإقليمية، من المؤشرات السلبية التي كانت تحصل هو توجه الطلاب بكثافة إلى درس العلوم المالية والنقدية على حساب الصناعة والزراعة بسبب الأرباح المرتفعة المتوقعة والتي تحققت من التبادلات في البورصات العالمية حتى سنة 2007، بعد هذا التاريخ، تغير الواقع وعادت الصناعة والزراعة تهم الطلاب أكثر من السابق بسبب فرص العمل المتوافرة والأرباح المحتملة. يشعر المجتمع الدولي اليوم بضرورة زيادة العرض الزراعي حتى تنخفض الأسعار وبالتالي يتوافر حل لمشكلة الفقر التي تضرب ليس فقط الدول النامية وإنما المجتمع الدولي بأسره. ما هي الخطوات التي علينا اعتمادها في لبنان من قبل القطاع الخاص والدولة حتى نعوض بعض ما فاتنا ونحاول تحقيق أداء أفضل في المستقبل؟ أولا: يجب إيصال مقومات التنمية أكثر فأكثر وتدريجيا نحو المناطق البعيدة منها خاصة، نقصد هنا البنيتين التحتية من كهرباء واتصالات ومياه وطرق، والفوقية من مدارس ومستشفيات وغيرها، لا يمكن لأي زراعة في العالم أن تتطور من دون شبكات مياه للري ومن دون كهرباء مؤمنة بأسعار مقبولة وضمن إمكانات المزارع. ثانيا: يجب مساعدة المزارعين على رفع إنتاجيتهم تماما كما حصل في الدول الناجحة زراعيا في أوروبا وآسيا وبالتالي تأمين الاستشارة التقنية المجانية لهم، يجب توجيه المزارع نحو السلع التي من مصلحته زراعتها تبعا للتربة والطقس وهذا مهم جدا، إذا لم تكن الخبرات متوافرة في الدولة اللبنانية يجب طلب المساعدة من الخارج وفي مقدمها منظمة التغذية FAO. ثالثا: تقديم الأدوية والبذور والأسمدة الكيماوية الضرورية للمزارع لتحقيق إنتاج جيد سليم ومتنوع، من الأسباب التي تعيق التصدير الزراعي هي ضعف النوعية في بعض الأحيان كما أن تكلفة الإنتاج المرتفعة تعيق عملية المنافسة في الأسواق الدولية. رابعا: يجب التعويض عن الأضرار التي لحقت بالمزارعين نتيجة الطقس السيئ والعواصف وغضب الطبيعة لأنها لم تأت من عامل السوق بل من عوامل خارجية لا سلطة له عليها. هذا واجب كل دولة مسؤولة. خامسا: العودة إلى برنامج دعم الصادرات الزراعية X+ الذي أدارته مؤسسة "إيدال" والذي نجح، لكنه توقف لأسباب سياسية ومادية، يجب على الدولة أن تمول عملية البحث الزراعي العلمي في المؤسسات العامة الموجودة كما في الكليات الجامعية القليلة المتخصصة. سادسا: يجب على الدولة اللبنانية أن تساعد المزارعين على إيجاد أسواق خارجية جديدة لسلعهم إذ إن المنافسة الدولية كبيرة ومكلفة وليس من السهل على المزارع العادي مواجهة المزارعين الدوليين المدعومين جدا من قبل دولهم. تفرض هذه الحلول أن تعيد الدولة النظر في هيكلية موازنتها بحيث تعزز الزراعة، يمكن للدولة أن تحصل على قروض ومساعدات لهذا الغرض شرط أن تنفقها في المكان المناسب، الإنفاق على الزراعة هو إنفاق في مستقبل لبنان واستمرارية الريف بحيث تخف الهجرة إذا لم يكن بالإمكان وقفها في الظروف الحالية.