09 نوفمبر 2025

تسجيل

دماج اليمن والتهجير الكبير !!

20 يناير 2014

يحدث في اليمن أشياء صعبة التصديق مثل السماح للطائرات الأمريكية من دون طيار بقتل اليمنيين الذين ترى أمريكا أنهم إرهابيون ولو كان الأمر كما ذكرت فمسألة التعامل مع هؤلاء هي مسؤولية الحكومة اليمنية فكيف وأن الواقع يؤكد أن أعداد الذين تقتلهم أمريكا من الأبرياء أضعاف من لهم صلة بالقاعدة، ولا يمكن لأحد أن يجد مبررا لصمت حكومة اليمن عن تلك الجرائم لأن الذين يقتلون مواطنون ومن واجب دولتهم حمايتهم وليس الصمت عن قتلهم فالصمت في كثير من الأحيان لا يفسر لصالحها، ولا يمكن مقارنة ما يجري في اليمن بما يجري في أفغانستان، فأفغانستان بلد محتل وإن كان هذا لايشفع له بالمطلق ولكن المقارنة باليمن مقارنة غير عادلة.وكما أن في اليمن مايصعب تصديقه فإن فيها مايوضع في خانة استحالة التصديق لولا أنه جرى تحت سمع العالم وبصره!! وحسب معلوماتي فإن ماقامت به حكومة اليمن من تهجير بعض مواطنيها من مدنهم إلى المجهول أمر لم يحدث في أي بلد آخر في هذا العالم ولا أظنه سيحدث!!وللتوضيح فإن بلدة دماج يسكنها طائفة ممن يسمون أنفسهم بـ (السلفيين) وقد أسس شيخهم (مقبل الوادعي) مدرسة لتعليم طلابه مادة الحديث باعتباره المرجع الفكري لأتباع مدرسته، وشجع اليمنيين وغيرهم على الدراسة في هذه المدرسة وكانت البداية قبل حوالي أربعين عاما، وما زالت هذه المدرسة تقوم بدورها الذي أراده مؤسسها. تكمن مشكلة هذه المدرسة في سلفيتها، فمن ناحية ينكر عليها كثيرون منهجها الذي يرونه لايمثل السلفية الحقة، كما أن وجودها وأتباعها بالقرب من مناطق الحوثيين في صعدة مع اختلاف المنهج الفكري الكبير بين المدرستين خاصة بعد أن تحول الحوثيون من الزيدية إلى الشيعية وخوف الحوثيين من تأثيرها على أتباعهم وعلى منهجهم العقدي جعلهم يتخذون قرارا بمحاربتها وأهلها وكل من في دماج من السكان حتى يخرجوهم من أرضهم ويبعدونهم بعيدا عن مناطق نفوذهم. والمرجح أن أمريكا هي الأخرى لم تكن بعيدة عما يجري لهذه المدرسة وأتباعها، فالسلفية عند الحكومة الأمريكية تعادل الإرهاب، ووجود طلاب في مدرسة السلفيين يعني عندهم أن هؤلاء الطلاب سيصبحون إرهابيين وسيذهبون إلى بلادهم لنشر الفكر المتطرف وهذا - كما يرون - سيؤثر عليهم مستقبلا ومن أجل ذلك شاركوا في تصفية المدرسة وتهجير أبناء دماج وتفريقهم شذر مذر. وتشير بعض المواقع الإخبارية اليمنية أن القائمة بأعمال السفير الأمريكي في اليمن هددت بضرب السلفيين بالطائرات إذا لم يتم تهجيرهم ولو بالقوة، كما طالبت بإغلاق المدرسة وعدم السماح للاجانب بالدراسة في اليمن إلا بضوابط مشددة، وقيل أيضا: إن الأمريكان طلبوا من الرئيس اليمني ومن وزير دفاعه عدم التدخل لحماية أهالي دماج مما سيفعله بهم الحوثيون مهما حصل، كما أنهم أيضا قدموا تطمينات للحوثيين بأن يفعلوا مايشاءون وأنهم لن يتعرضوا لأي مضايقات لأمن الدول ولا من المنظمات الحقوقية. ولعل ما حصل فعلا يرجح ما قيل عن دور للأمريكان في هذه العملية!! مدينة دماج حوصرت قرابة مائة يوم ومات منهم مئات وجرح مئات أيضا والحكومة صامتة وكأن ما يجري في مكان آخر لا علاقة لها به!! وشاركت دبابات في هذا الحصار، ولنا أن نتخيل كيف أن جماعة تستطيع إدخال دبابات لصالحها دون أن تتدخل الدولة لمنعها هذا فضلا عن أسلحة أخرى لا توجد إلا عند الدول!! فمن سمح بذلك ومن تستر عليه ثم لماذا تصمت حكومة اليمن عن التدخل وهي ترى أن ما يحدث تحت سمعها وبصرها يوجب التدخل الفوري لبشاعته وتعدد جرائمه؟ هل ما قيل عن دور للأميركان هو السبب؟!! وهل ما قيل أيضا عن أدوار لإيران والرئيس السابق يصب في اتجاه ذلك الصمت المريب؟ بعد المائة يوم وبعد المجازر التي ارتكبت تمخض جبل الدولة فشكلت لجنة مصالحة بين الحوثيين وأهالي دماج!! وفي ظني أن هذا الصلح لا يحمل في طياته أي معنى حقيقي للتصالح، فالسلفيون إما أن يخرجوا وإما أن يقتلوا - هكذا قال الناطق باسمهم سرور الوادعي - كما أن من بنود هذا الصلح أعطاء السلفيين مكانا مناسبا لهم قريبا من محافظة الحديدة، وتمكين الجيش اليمني من بسط سيطرته على كل المناطق الخاضعة للحوثيين وللسلفيين.الدولة لم تعط السلفيين ماوعدتهم به حتى الآن، بل إن حكومة اليمن - كما قال البعض - هي التي طلبت من مشائخ محافظة الحديدة طرد السلفيين من مناطقهم وهذا مافعلوه فلم يعد للسلفيين مكان يجتمعون فيه بحسب اتفاقهم مع الدولة، كما أن الحوثيين لم يمكنوا الدولة من بسط نفوذها على مناطقهم، وهذا يرجح - مرة أخرى - ما قيل عن دور الأمريكان وموافقة حكومة اليمن على ما طلب منهم!! وإن إبقاء نفوذ الحوثيين كما هو سيجعله يزيد مستقبلا - وهذا ما أرجحه - لأن هناك دول ستستفيد من هذه القوة المتنامية في تحقيق مصالحها في منطقة الخليج والحوثيون مستعدون لتنفيذ ما يطلب منهم خاصة أن هناك مصالح متبادلة بينهم وبين بعض الدول الأخرى قد تكون عقدية أحيانا وقد تكون مادية أحيانا أخرى.إن الذي يشاهد عملية التهجير الكبرى لأهالي دماج يتخيل أنه يعيش في قرون غابرة يوم إن لم يكن في العالم دول متحضرة ولا قوانين تحمي البشر ولا هيئات حقوقية، ويوم أن كان الحق للقوة وحدها ويوم أن كان الضعيف يخير ما بين الموت أو العبودية البشعة!! ومع أن أعدادا كثيرة من اليمنيين لاتتفق مع هذا النوع من السلفية التي نادى بها الوادعي ثم تلاميذه من بعده إلا أن هؤلاء وكثيرون غيرهم من غير اليمنيين يرون أن ما قامت به الدولة قد يفتح أبواب جهنم عليها وعلى اليمنيين جميعا، فالطائفية ستكون بديلا عن الوحدة الوطنية، كما أن من يملك القوة أو الدعم الخارجي سيفرض رأيه على الدولة وعلى الآخرين وهذا سيقوض هيبة الدولة وقد يكون طريقا لتفتيتها خاصة أن الجنوبيين يطالبون بإعادة دولتهم كما أن الحوثيين يتطلعون إلى دولة خاصة بهم هذا إذا لم يتمكنوا من حكم اليمن كله وقد يجدون من يقف إلى جانبهم من أصحاب الأهواء والمصالح. إن الذي يجري في اليمن ليس خطرا عليها وحدها بل هو خطر على دول الخليج كلها، ومن المصلحة ألا يبقى الخليجيون متفرجين في انتظار الأسوأ فما يمكن عمله اليوم قد يصعب عمله غدا.