06 نوفمبر 2025

تسجيل

ثقافتنا فى خطر .. 3

20 يناير 2014

بعد نشر مقالنا السابق والذى يحمل نفس عنوان هذا المقال تلقيت العديد من الرسائل عبر البريد الأليكترونى من القراء الأعزاء وبعض المكالمات الهاتفية من الأصدقاء وكنت قد كتبت فى المقالين السابقين عن الخطر المحدق بثقافتنا نتيجة عوامل كثيرة أهمها على الإطلاق هو انحسار عادة القراءة بشكل عام والكتب ومقالات الصحف بشكل خاص ناهيك طبعا عن الأبحاث وكتب التراث والتاريخ وغيرها وأيضا التأثير السلبى للمخترعات التكنولوجية الحديثة برغم اعتراف الجميع بفوائد هذه الوسائط . والجميل والطريف أن إبنتى التى تعيش فى الخارج أرسلت لى رسالة عبر " الفايبر " تقول أنها قرأت المقال وأنه أعجبها كثيرا وهذا طبعا ليس لأنها ابنتى ولكن بسبب أنها من قرائى ويعجبها معظم كتاباتى وتناقشنى فيها .. وأضافت أنها تصديقا لما كتبته فى مقالى السابق تحارب بالكتاب ضد " الآيباد والتابلت " مع حفيدتى ولكن يبقى لهذه التقنيات سحرها وختمت رسالتها بعبارة وضعتها بين قوسين ( ألا ليت الكتاب يعود يوما ) . وقد يقول قائل إن أمام الإنسان هذا وذاك ويمكنه أن يختار ما يشاء وما يراه فى مصلحته ويدخل فى نطاق إهتماماته .. والرأى عندى أن الأمر ليس بهذه السهولة لأن طغيان المادة المشاهدة جلىٌ واضح وهذا ما سنحاول تناوله فى هذا المقال . منذ حوالى عشرون عاما كان لدينا قناتان أرضيتان فقط يشاهدهما كل الشعب المصرى والعربى أيضا وكانت المسلسلات التى تذاع على شاشة التليفزيون المصرى ينتظرها المشاهدون من المحيط إلى الخليج ومثار الحديث بينهم فى الأيام التالية فى المنازل وأماكن العمل حتى أن هذه المسلسلات كانت السبب فى شهرة الكثير من الممثلين والمطربين فى كل مكان . ثم بدأ الجميع فى التوسع فى إدخال القنوات التليفزيونية الموجهة إلى مناطق محلية بذاتها ولكن كانت جميعها قنوات أرضية تقتصر على نشرات الأخبار تتناول ما يدخل فى نطاق اهتمامات سكان تلك المناطق بالإضافة إلى بعض البرامج الأخرى الشبيهة بتلك التى يقدمها من سبقوهم . مع دخول القنوات الفضائية زاد الإقبال على مشاهدة التليفزيون وهو الأمر الذى انعكس سلبا على عادة القراءة كما أسلفنا .. ولكن الطامة الكبرى بدأت مع إطلالة برامج " التوك شو " برأسها وما صاحب ذلك من استغلال الأحزاب السياسية وأجهزة المخابرات لهذه البرامج للترويج لأفكار وأهداف سياسية بعينها حتى أصبح الناس يعرفون إتجاه كل قناة وبالتالى يحرصون على مشاهدة تلك القنوات التى تتوافق مع رؤيتهم السياسية أو اتجاهاتهم الدينية والتنقل بينها طوال فترة وجودهم أمام الشاشة الصغيرة . وأكثر من ذلك أن هذه القنوات باتت تجرى وراء الإعلانات وتبذل الغالى والثمين فى سبيل إقتناص تلك الإعلانات حتى ولو كانت لا تتوافق مع أعرافنا الإجتماعية أو أخلاقنا وقيمنا الدينية . ومن ضمن وسائل الجذب التعاقد مع مقدمى برامج بمئات الألوف من الجنيهات شهريا .. والإعلان عن إلتحاقهم بتلك القنوات بكافة الوسائل والسبل حتى وصل الأمر إلى حجز صفحات أخيرة بكاملها ولعدة أيام لمجرد الإعلان عن إلتحاق هذا المذيع أو تلك المذيعة بهذه القناة الفضائية .. هذا بالطبع مع الحرص على وجود فرق إعداد وأطقم من الكوادر المهنية الماهرة وشبكة من المراسلين المنتشرين فى كل مكان وهؤلاء يكون عملهم بالقطعة ومعظمهم من مراسلى الصحف اليومية .. إلى هنا والأمر يبدو عاديا لولا أن معظم هؤلاء المذيعين تحولوا إلى أباطرة يتحكمون فى أطقم العمل وحتى أصحاب القنوات أنفسهم لمعرفتهم بحاجة هؤلاء إليهم . وزاد توحش معظم مقدمى البرامج هؤلاء وعنجهيتهم بغية الظهور أمام المشاهدين بأنه أو أنها من أصحاب السطوة وعلى سبيل المثال تجد أحدهم عند التحدث عن مشكلة ما فى إحدى المحافظات يصرخ فى فريق الإعداد بلهجة آمرة أن يحضر " المحافظ ع التليفون " .. وتجد آخر سليط اللسان يتحدث عن أحد الوزراء بفظاظة ووقاحة متسائلا " ماذا يفعل هذا الوزير فى الوزارة ؟ " .. والأمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى وهو يستند إلى تلك القوة من الشركات المعلنة التى تبحث عن هذا المذيع أو هذه المذيعة بالذات للإعلان خلال الوقفات الإعلانية فى برامجهم . الغريب أن معظم مقدمى البرامج هؤلاء يكونون من الصحفيين ذووى العلاقات الإجتماعية الجيدة ولا شئ غير ذلك حيث أننى شخصيا – برغم حرصى البالغ على متابعة معظم ما يكتب فى الصحف – لم أقرأ للكثير منهم كلمة واحدة منشورة على صفحات الصحف التى يعملون بها وأكثر من هذا أننى لم أعرف إسم بعضهم حتى بدأ يقدم أحد البرامج التليفزيونية مستغلا علاقاته الإجتماعية وأنا من عادتى ألا أذكر أسماء أشخاص بعينهم ولكننى أكتفى بالإشارة إلى الظاهرة حيث أن الأسماء لن تفيدنا فى شئ مما نحن بصدده .. ولعلى لا أبالغ حين أقول إن بعض هاتيك المقدمات يعتمدن على ما يفعله خبراء التجميل فى " مكياجهن " وتصفيف شعورهن التى ما كانت لتصفف لولا ظهورهن على الشاشة وياليت الرجال منهم يستأجر ببعض الكثير الذى يتقاضونه من يختار له ملابسه وربطات العنق التى تبدو مضحكة على الشاشة وتكون مثلا سيئا لمن تتكحل عيناه برؤيتها .. ومرة ثانية أرجو ألا أكون مبالغا فى شعورى " الذى لا أملك دليلا يقينا على صحته " بأن الكثير منهم ينفذ ما يُطلب منه من أوامر .. وأن بعضهم يفرض رأيه على المشاهدين وضيوف برامجهم .. وأكثر من كل ما قلناه أن معظم مقدمى البرامج هؤلاء لا يجيدون حتى مجرد التحدث بالعربية الفصحى .. وهكذا ترى عزيزى القارئ أننا عدنا من حيث بدأنا وأن بيت القصيد هو إهمال اللغة العربية والقراءة وطرح الكتب جانبا وعدم الإستفادة منها . والخلاصة أنه ينبغى علينا تعويد صغارنا على القراءة وتشجيعهم على ذلك ( راجع مقالينا السابقين ) وفيما يخص التليفزيون وقنواته الفضائية التى باتت لا تُعد ولا تحصى فيجب علينا أن نتخير الأفضل منها وهو ما يتفق مع ثقافتنا ومعتقداتنا الدينية والإجتماعية بعد أن تكون ثقافاتنا قد تشكلت عن طريق أو طرق أخرى من التى تحدثنا عنها آنفا ويجب علينا أن ننبه صغارنا إلى ذلك . بقيت كلمة لابد أن تقٌال أن ما كتبته هنا لا يمكن تعميمه على كل مقدمى البرامج ولكن لا يزال هناك الكثيرين أيضا ممن يجعلونك تحترمهم بأسوبهم الراقى وإنتقائهم لألفاظهم وعباراتهم والظهور بالمظهر الجيد المناسب .. ومن هنا تأتى أهمية تنمية ثقافة الإختيار لدينا التى تحدثنا عنها فى هذا المقال . نكتفى بهذا القدر فى هذا المقام فى مقالنا هذا ونأمل أن يلتفت أولياء الأمور والمعلمون فى المدارس إلى ما أوردناه من أخطار تتهدد ثقافتنا العربية . وإلى اللقاء فى موضوع جديد ومقال قادم بحول الله . بقلم : د . مصطفى عابدين شمس الدين . e mail : [email protected]