07 نوفمبر 2025

تسجيل

في الأمس كانوا هنا

19 نوفمبر 2013

كان مساء الجسرة حافلاً؛ تجمعت ذكريات بعيدة عمرها أربع عشرة سنة تقريباً، أصدقاء رحلوا، وآخرون وضعوا سلاح الثقافة جانباً، ومنهم من بلغ أرذل العمر فما عاد قادراً على المجيء، ومنهم من تعب، ومنهم من بقي هناك يقاسمك الصخب، وهزّة الرأس الحزينة. كنت أحاول مقاربة نصوص الكاتب السوداني فراج الشيخ الفزاري " بنات جعل" باحثاً عن السودان الذي عرفته في خريطة الوطن العربي على دفاترنا المدرسية، قبل أن يُحتزّ منه ثلثه، وكنت في الوقت ذاته أتلمّس النجاة من ألمي (السوري) المستديم. ولكنّ الجسرة ذلك اليوم مختلفة، ثمة من يعيد إليك وجهها القديم في الحارة القديمة، محمد عصفور سكرتير النادي القديم، والأستاذ بشير أمين المكتبة، وإبراهيم الجيدة، وباسم عبود، وبسام علواني. أذهب إلى المكتبة وأقتني عدداً من عدد الجسرة الجديد، لم يزل مراد مبروك مهتماً بالمجلة رغم ابتعاده، يقولون إن النسخة الإلكترونية ليست رافداً فحسب، بل هي النسخة البديلة، وربّما كان هذا هو العدد الأخير. أبحث عن جميل أبو صبيح مشاغباً في دفاعه عن قصيدة النثر، أبحث عن الراحل المستشار حسين نجم وعروبته في النصوص التي يقرؤها، أبحث عن غازي الذيبة نزقاً عابراً إلى الهمّ العربيّ، عن قصيدته إلى الحرس الجمهوري العراقي، قبل سقوط بغداد، أبحث عن بغداد ذاتها التي بحثت عنها في وجوه من حضروا ندوة 9/4/2003 مساءً. كان خالد زغريت أكثرنا ألماً ولم يستطع قراءة مساهمته النقدية في ديوان جديد لزكية مال الله، ويومها صرخ الناقد فينا على غير عادته. في الجسرة (أيام زمان) كان كثير من زملائي يحضر الندوات والأماسيّ، كنا نمشي على الأقدام من الدوحة الجديدة إلى الجسرة، مبتهجين بزوادة معرفية نستمدها من ضيوف الدوحة العابرين، من يتذكر الراحل عبدالوهاب المسيري، حتى وهو يتصوّر كان يفلسف الفكرة في أن التصوير أهم من الصورة، من يتذكر أمسية شوقي عبدالأمير وحديثه عن كتاب في جريدة؟ أبحثُ عنّي شاباً يهدّ معمار القصيدة ويبنيها، رائداً لمرعى الحزن، أهشّ على نصوصي وأكتب: " حين لا هواء – مرّوا عليّ"، أبحث عنّي في " قلق"، ثمة من يعين على الاغتراب، رحل محمد مصطفى حسين ذو النشيج الذي لا مثيل له، رحل ولا أكاد أتلمّس له طريقاً أهو حيّ أم شهيد أم نازح؟ ورحل سيدي ولد محمد الفتى العجيب. من يعينني على الجسرة، هذه التي تضعني على موقد الذكريات، ثم تتركني، وليس لي غير " السلام على أحبّتي". ألملم ورق المكان، وأذهب إلى سيّارتي، وأمضي، للذكريات مآخذها أيضاً، فثمة اللحظة التي تستنطق كلّ ما فيك، لتجرّك من عالمٍ أقمت فيه لحظة، وتحدث صديقاً بهزة رأس حزينة قائلاً: " كنّا".