12 نوفمبر 2025
تسجيلالدول الغربية تطلعت إلى حماية نظامها المالي والاقتصادي بالقوانين الإسلامية في المقال السابق تكلمنا عن القوانين القرآنية للحضارات وذكرنا أهم تلك القوانين دون أن نفصل فيها، وحينما أكتب في هذه القوانين فإنني أحاول أن أجمع ما ذكره القرآن منها خلال استعراضه وحديثه عن الأمم السابقة، فهذه القوانين ليست نظرية من نظرياتي ولا شيئا جديدا أطرحه من رؤاي وأفكاري، إنما الجديد فيها استخلاصها وجمعها وترتيبها على هذا النحو وطرحها بشكلها المفصل. أولاً: قانون التداول وهو مستمد من قول الله تعالى (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ) آل عمران/ 140 لقد نزلت هذه الآية بعد غزوة أحد، ونستفيد من هذا القانون أنْ لا خلود لحضارة، فمهما تعاظمت قوة حضارة ما وسيطرت على غيرها، فلابد من يوم تضعف فيه هذه السيطرة، بل وربما اندثرت تلك الحضارة عن بكرة أبيها كأن لم تكن، لأن الأمر كما يصفه الله تعالى (دُوْلَة) ومعناها " تحوُّل الشيءٍ من مكان إلى مكان، يقول أهل اللغة: انْدَالَ القومُ، إذا تحوَّلوا من مكان إلى مكان، ومن هذا الباب تداوَلَ القومُ الشّيءَ بينَهم: إذا صار من بعضهم إلى بعض". حضارة حتى نهاية التاريخ صاحب هذه النظرية هو " فرانسيس فوكوياما " مفكر أمريكي الجنسية من أصول يابانية، وهي نظرية مناقضة لقانون التداول، فيرى " فوكوياما " أن الحضارات تطورت وظلت تتطور، حتى وصلت إلى القمة المتمثلة في الحضارة الغربية، لأنها - من وجهة نظره – قامت على العلم والديمقراطية والمساواة، لذا فالحضارة الغربية ستسيطر على غيرها من الأمم والشعوب، وستبقى مسيطرة حتى نهاية التاريخ، والحضارة الغربية هي " منتهى التطور الأيديولوجي للإنسانية، والشكل النهائي لأي حكم إنساني" هي أقصى ما يمكن أن تصل إليه البشرية، ونظرته هذه تناقض في طرحها قانون التداول الذي نطق به القرآن الكريم، ويؤمن به المسلمون، ويحتكم إليه أهل العقل والفكر والتاريخ. صحيح أن هناك جزءا من نظريته لا يخالف قانون التداول، فهو لم ينكره كليا لكنه يحاول أن يلغيه حاليا، فحضارة الإسلام كانت أكثر عدلا ومساواة وأقل دماء وضحايا من حضارة اليوم، ومع ذلك فقد مرضت وضعفت وقامت بعدها حضارات، بل إننا اليوم نرى مؤشرات على انهيار حضارة الغرب بداية من الأزمة المالية التي فرخت أزمات عدة وما نشاهده هذه الأيام من حملة (احتلوا وول ستريت) من حملات ومظاهرات ضد الجشع الرأسمالي والحضارة الغربية القائمة على مصالح الأغنياء وتوفير الرفاهية لهم بعيدا عن النظر إلى حقوق الطبقات الفقيرة. نظرية صدام الحضارات صاحب هذه النظرية هو " صامويل هنتنغتون " (ت 2008م) الذي يرى أن الصراعات في المستقبل " ستكون أكثر وأعنف ما يكون على أسس ثقافية (غالباً حضارية. مثل الحضارات الغربية، الإسلامية، الصينية، الهندوكية...) بدلاً من الأسس العقائدية كما كان الحال خلال الحرب الباردة ومعظم القرن العشرين ". ولقد أثارت نظرية " صدام الحضارات " جدلاً واسعاً بين المفكرين، وانقسم الناس بين مؤيد لها، وبين معارض لها، فذهب بعض المفكرين إلى حتمية الصراع والصدام بين الحضارات، وأن هذا أمر لا مفرّ منه، بينما ذهب البعض الآخر إلى نفي وجود مثل هذا الصدام. العلاقة بين الحضارات أنا أعتقد أن العلاقة بين الحضارات ليس لها شكل ثابت، بل تأخذ أشكالاً مختلفة ومتعددة منها: 1. علاقة صدام وصراع بين الحضارات: فهناك حضارة تنتصر وأخرى تنهزم، وتسعى الحضارة المنتصرة إلى إزالة بقايا الحضارة المنهزمة، كلما جاءت أمة لعنت أختها، وهذا أمر لا يمكن لعاقل أن ينكره، لكن التاريخ ليس مطرداً على هذه الشاكلة. 2. علاقة اندماج بين الحضارات: فهناك حضارات ضعيفة سيطرت عليها أخرى قوية، لكن الضعيفة لم تنتهِ، بل اندمجت في الحضارة الجديدة المنتصرة، وامتزجت ثقافتها وعاداتها وتقاليدها بثقافة وعادت وتقاليد الحضارة المنتصرة، ونتيجة لهذا الاندماج بين الحضارتين ينشأ شكل جديد من الحضارة. 3. علاقة حوار وتعايش بين الحضارات: وغالباً ما يحدث هذا التعايش عندما تكون موازين القوى متكافئة بين الحضارات، فلا تجرؤ حضارة على محاربة الأخرى أو النيل منها، ويكون التعايش هو الحل الأمثل بالنسبة للطرفين. 4. علاقة التنافس بين الحضارات: كالتنافس في المجالات التي ينتفع بها البشر، خاصة البحوث العلمية التي تعالج مشكلات الناس، ويبقى الأمر مطمئناً طالما بقي التنافس بعيداً عن التسلّح وعن القدرات العسكرية، لأن هذا التنافس سينتهي غالباً إلى صراع وصدام. 5. علاقة التكامل بين الحضارات: وهذا من أرقى وأسمى أشكال العلاقة بين الحضارات، فكل حضارة بغض النظر عن قوتها أو ضعفها تقدم شيئاً لا تملكه الحضارات الأخرى، وهذا التكامل ينفع البشر جميعاً، وهو ما حدث في الحضارة الإسلامية، التي احترمت خصوصية الحضارات التي وصلها الإسلام، ولم تسعَ إلى إلغاء وجودها أو تهديد هويتها. الإسلام هو الحضارة القادمة كل المفكرين الواعين، من مسلمين وغير مسلمين، يؤكدون أن الإسلام سيكون الحضارة القادمة لهذه البشرية، ولا أنسى زيارتي لـ " ألمانيا " في العام (2010)م، وقبل الثورات العربية بأربعة شهور تقريباً، حيث التقيت هناك بمدير مركز (ASP) الذي يعتبر أهم مركز دراسات تعتمد عليه الحكومة الألمانية، وكان مديرها يتقن سبع لغات، منها اللغة العربية، فجرى بيني وبينه حوار موسع باللغة العربية حول مستقبل العالم العربي، فقلت له متسائلاً: ألا تعتقد أن المستقبل يقول إن العالم العربي سيُحكم بالإسلام المعتدل؟ تبسم ثم همس في أذن شخص كان بجانبه، قام هذا الشخص وأحضر كتاباً مطبوعاً، كان عبارة عن دراسة أجراها المركز، وقدمها للحكومة الألمانية والبرلمان الألماني، وكان خلاصة الدراسة أن " المنطقة العربية ستُحكم بالإسلام المعتدل، لذا لابد من التفاهم معهم من الآن ". كما أن كثيرا من الدول الغربية خاصة فرنسا وعقب الأزمة المالية العالمية في 2008 تطلعت إلى حماية نظامها المالي والاقتصادي بالقوانين الإسلامية وعقدت عدة مؤتمرات وندوات للاستفادة من خبرة الاقتصاديين الإسلاميين والعلماء الذين لهم باع في الاقتصاد. مبشرات على طريق النهضة نتيجة الدراسة التي أجراها المركز الألماني (ASP) متوافقة تماماً مع مبشرات النبي (لهذه الأمة، فلقد أخبرنا رسولنا الكريم)أن الإسلام سيعود من جديد، وسيدخل كل بيت فقال (( لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأمر مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ)) أحمد. وقد بشّرنا النبي (بأننا سنفتح " الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ " في تركيا، وسنفتح " رُومِيَّةُ " في إيطاليا، ونحن نؤمن بهذا البشارة، ولا نشك أنها ستتحقق، لذا لا نجد أحداً من الصحابة الذين سمعوا هذه البشارة قد سأل سؤال المتشكك، بل جلّ ما سألوه يَاْ رَسُولُ اللَّهِ أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلًا قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلًا، يَعْنِي قُسْطَنْطِينِيَّةَ. وهذه المبشرات وإن تحقق بعضها أو أغلبها فإن مجمل التبشيرات النبوية وحركة التاريخ وسنة الكون تعطينا مؤشرات أن هذا العز سيكتمل وأن بلوغ الإسلام أطراف الأرض سيتحقق بمشيئة الله تعالى.