04 نوفمبر 2025

تسجيل

ليس دفاعاً عن داعش.. بل عن العدالة

19 سبتمبر 2014

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); استعاد اللبنانيون خلال الأيام الماضية ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا التي ارتكبتها ميليشيات لبنانية بمساندة إسرائيلية عام 1982، وأدت لمقتل مئات الفلسطينيين واللبنانيين. منذ ارتكاب المجزرة قبل أكثر من ثلاثة عقود، والمسؤول عنها في أذهان اللبنانيين والعرب هو قائد القوات اللبنانية سمير جعجع. مسؤولية جعجع بالمبدأ ليست مُستبعدة، فالحرب الأهلية أغرقت معظم الميليشيات المسلحة ببحر من الدماء، لكن ما يجب الإقرار به هو أن جميع التحقيقات التي أجريت حول المجزرة، سواء من جانب السلطات اللبنانية أو الاحتلال الإسرائيلي لم تثبت علاقة جعجع بالمجزرة. رغم هذه الحقيقة، مازال اسم سمير جعجع ملتصقاً بالمجزرة، وتقفز صورته إلى الأذهان كلما تطرق الحديث إلى صبرا وشاتيلا. بل إن اسم جعجع اقترن أيضاً بجميع الجرائم والمجازر التي شهدتها الحرب اللبنانية، سواء كان له دور فيها أم لم يكن. فالمايسترو الذي قاد البروباغندا الإعلامية في لبنان، نجح في طمس معالم الجرائم الأخرى، وأخفى هوية مرتكبيها، فبدا جعجع وكأنه المسؤول الوحيد عن مآسي الحرب.شيْطنة سمير جعجع وتحميله وزر ويلات الحرب اللبنانية وتبرئة بقية المسؤولين، يشبه إلى حد كبير ما يجري مع تنظيم الدولة الإسلامية هذه الأيام. فعلى مدى الأشهر والأسابيع الماضية، شنّ المايسترو الإعلامي العالمي حملة مركّزة على هذا التنظيم، ونجح في تظهير وتضخيم الجرائم والأخطاء التي ارتكبها، في الوقت الذي لم يقصّر التنظيم في مساعدة المايسترو وتقديم هدايا مجانية، من خلال نشر مجازره الدموية، والتفاخر بها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتقديم أبشع النماذج في الإقصاء ورفض الآخر.ليس بمقدور أحد الدفاع عن الجرائم والأخطاء الكثيرة التي غرق فيها تنظيم داعش، لكن يحق للشعوب العربية والإسلامية التي تشاهد الاستنفار العالمي في مواجهة هذا التنظيم، أن تسأل عن سبب هذه النشاط في إحقاق الحق، والدفاع عن المظلومين. من حقها أن تعرف المعيار الذي اعتُمد حتى تم التوصل إلى الخلاصة التي يتم إقناعهم بها، وهي أن تنظيم الدولة الإسلامية يشكل تهديداً لهم ولحريتهم ولكرامتهم، وأنه يجب المسارعة لمواجهته والقضاء عليه واستئصاله، وملاحقة عناصره رجالاً ونساء حتى ولو كانوا نائمين على أسرّتهم. من حق الشعوب العربية والإسلامية أن تُدرك حجم الخطر الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية على البشرية، مما استدعى أن يشمّر وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن ساعديْه، ويبدأ جولات مكوكية نجح خلالها في بناء تحالف دولي واسع. فجَمَع المتخاصمين، وأصلح المختلفين، وتلاقى المتباعدون. فتجهّزت الجيوش، ورُصدت الميزانيات بالمليارات للقضاء على تنظيم تُرسم علامات تساؤل وتعجب كثيرة حول الجهات التي ساهمت في نشأته وتوسعه وانتشاره، أو غضّت الطرف عنه.يحق للشعوب العربية والإسلامية أن تفهم وتقتنع بالأسباب التي تجعلهم يقفون إلى جانب الولايات المتحدة وإيران وأوروبا في مواجهة تنظيم أطلق على نفسه اسم "الدولة الإسلامية"، ورفع راية "لا إله إلا الله محمد رسول الله". إذا كان المعيار الذي على أساسه تم تصنيف تنظيم الدولة الإسلامية بالإرهابي مرتبط بعدد الجرائم التي ارتكبها، والضحايا الذين تسبب بموتهم، فلا خلاف على أن جهات أخرى تتفوق عليه بالإجرام والدموية. فضحايا النظام السوري باتت تقارب مئتي ألف قتيل، وهو ما لم يبلغ ربعه تنظيم داعش. لذا، كان الأوْلى أن ينصرف التحالف الدولي لمواجهة النظام السوري. هذا طبعاً إذا انخرطنا باللعبة الدولية المنحازة لجانب إسرائيل، وتجاوزنا عن عشرات المجازر التي ارتكبتها بحق الفلسطينيين والعرب منذ نشأتها عام 1948 حتى يومنا هذا، وكان آخرها العدوان على غزة، فأزهق جيشها خلال خمسين يوماً حياة أكثر من ألفي فلسطيني.أما إذا كان معيار تجريم داعش مرتبط بحملة التهجير والإقصاء التي مارسها في المناطق التي وصلها، فهو أيضاً لايحتل الصدارة. فالنظام السوري (على سبيل المثال لاالحصر) هجّر قرابة 5 ملايين من أبناء شعبه في الداخل السوري والدول المجاورة، ومرة أخرى إذا تجاوزنا إسرائيل التي هجّرت الشعب الفلسطيني وحوّلته إلى لاجئ في أصقاع الأرض. أما إذا كان معيار التجريم يتعلق بعدد المعتقلين الذين يحتجزهم تنظيم الدولة الإسلامية وطريقة معاملته لهم، فالقائمة التي تتفوق عليه طويلة، وتطال أنظمة عربية وغربية كثيرة، ولعلّ ماسمعناه عن معاملة الموقوفين في سجن غوانتاناموا الأميركي وأبو غريب العراقي ليست بعيدة عن الأداء الذي تقدمه داعش.كل ما سبق لايعني تبرئة تنظيم داعش من الجرائم التي ارتكبها، لكن إذا كانت كل المعايير السابقة لم تقدم تبريراً لاستهداف تنظيم الدولة الإسلامية، فهذا يعني أن معياراً آخر لم يتم الإفصاح عنه هو الدافع الحقيقي لمحاربته والسعي لاستئصاله، في الوقت الذي يغض المجتمع الدولي النظر عن جرائم أفظع وأبشع.