14 نوفمبر 2025
تسجيلخطة كارثية جمعت السعودية والإمارات في اليمن التدخل حجته الإصلاح ونتائجه التخريب والهدم إن ما يهز أركان اليمن اليوم من حرب عبثية لمسنا آخر حلقاتها هذا الأسبوع في عدن حين لم نعد نفهم شيئاً، ففريق يسميه انقلاباً وفريق ثان يسميه تصحيحاً، بينما نحن مقتنعون كما جاء في تحليل قرأته في ندوة عقدها المعهد البريطاني للدراسات الاستراتيجية أن الذي مات في عدن هو ما يسمى التحالف أي الخطة الكارثية التي جمعت بين السعودية والإمارات للتدخل في اليمن، وينتهي تحليل المعهد إلى أن اليمن اليوم في الواقع مقسم إلى شمال تحت السعودية وجنوب تحت الإمارات! أردت في الحقيقة أن أعيد هذا الوضع المشين إلى جذوره وهي افتقاد بعض من يمسك بالسلطة في الوطن العربي إلى ثقافة الدولة. نفس الأسباب نجدها حين نقرأ مصائب ليبيا اليوم بين نواة شرعية ومطامع متمرد يقف وراءه نفس المحور السعودي الإماراتي بالتسليح والسند مع مصر السيسي، وحتى لو عدنا إلى نماذج أخرى من انعدام ثقافة الدولة لدى العرب فإننا ندرك أن المجتمع المصري المهتز بالإرهاب والاضطهاد واغتيال الرئيس المنتخب محمد مرسي وما يزعزع استقرار العراق وما يؤجل وفاق تونس بل وما يدمر سوريا العزيزة هو من وجهة نظري المتواضعة افتقاد النخب السياسية من حاكمة ومعارضة إلى ثقافة الدولة أو كما يسميها علماؤنا الأفاضل (فقه الدولة) وتلاحظون معي كيف تتخبط هذه النخب في الصراعات الأيديولوجية والتناقضات الحزبية وتؤثث بلاتوهات الفضائيات بالتجاذبات العقيمة حول جنس المجتمع (مثل جنس الملائكة) وحول هوية الشعب وحول دسترة القيم التي لا يؤمنون بها مع إلغاء كل رأي لا يعجبهم وإقصاء كل وجه لا يرتاحون إليه، فظللنا بعد ثورات الشباب العربي التلقائية والتي لم تكن لها قيادات نراوح مكاننا في نقطة الصفر بل نزلنا دونها في عديد المجالات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية وتقهقرت درجات تصنيفنا في المحافل المالية الدولية وفقدنا ثقة الجار والصديق بما ارتكبناه من أخطاء، وبلغ الأمر في مصر إلى تبرير الانقلاب بل وتقديمه كوصفة جاهزة لإنهاء عرس إرادة الشعوب بالدبابة والمدفع كما بلغ الأمر في ليبيا بقصف المدنيين في المشافي والمدارس والمجمعات السكنية، وبلغ الأمر في تونس مع الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها بدوران كل المرشحين في نفس الحلقة لأنه لا أحد منهم قدم اقتراحاً جدياً بالتخلي عن نمط تنمية مفلس رهن البلاد في الديون وأدخلها في منطق التبعية والتذيل، فالجميع «يصرح» و «يزيد وينقص» و»يطلع ويهبط» و»يبيع ويشتري» في حلقة مفرغة وفي فضاء افتراضي كأنما دخل كل فريق فقاعة كالشرنقة لا يبرحها فهو لا يسمع ما يقال خارجها ولا يسمعه الناس خارجها فالحوار انتهى إلى مهرجان الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها بظهور فقاقيع غريبة كأنها من كوكب آخر! واليوم حين نتأمل في نتائج حكم من جاءت بهم الثورات لابد أن نقر بالفشل مهما بررناه وبالتلعثم مهما فسرناه وبالفوضى مهما زيناها ولا نجد سبباً جوهرياً لخيبة مسعانا سوى ما سماه الدكتور سالم بوخداجة استهانة النخبة بالدولة، فالاستهانة بالدولة هي الظاهرة التي نسجلها في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، ولعل النخبة التي أفرزتها تلك الثورات تشبعت بثقافة المعارضة والسجون والمنافي وهي ثقافة صنعت من نيلسون مانديلا رجل دولة ومن كثير من معارضينا رجال جدل عقيم وعجز مقيم. وأنا لا أفهم كيف يتكلم مثقف ديمقراطي قضى جزءا من حياته مدافعا عن حقوق الإنسان عن دولة بلاده واصفا إياها بالخراب. واكتشفت أن هذا المناضل لا يفرق بين الدولة والنظام (بين دولة قائمة ومستمرة يسيرها رجال أكفاء ومحترمون وبين منظومة فساد منحصرة في مافيات الأصهار والمال الحرام) فالدولة التونسية مثلا أو المصرية هما مؤسستان ظلتا بالرغم من منظومة الفساد والاستبداد قلعتين صامدتين لم تهزهما عواصف الفاسدين والمفسدين واستمرت في خدمتهما أجيال من التوانسة والمصريين فتوفر عبر الزمن المتقلب نصيب من الأمن وقبض الناس رواتبهم الشهرية ودافعت عنهم منظمات نقابية فازداد دخلهم وفتحت الدولة هنا وهناك روضاتها ومدارسها ومعاهدها وجامعاتها في وجوه الأجيال المتعاقبة كما أن الدولة الوطنية في تونس وفي مصر وفرت المستشفى ولو كان ناقص التجهيزات ومهدت الطريق ولو كان ذا حفر وأسست السدود والطرقات وعوضت المواد الأساسية الغذائية على مدى عقود وأعتقد أن هذه الدولة تحتاج إلى إصلاحات جوهرية لا إلى هدم لأنها قابلة للتطور مثلما فعلت النخب التركية والماليزية هذه هي الدولة التي راكمت قرونا من تجارب إدارة حياة الناس وسلمت من الدمار ولكن نخبنا العلمانية والإسلامية اعتبرتها خرابا يبابا وقررت تعويضها في لحظة فتنة الحكم ودوخة السلطة بارتجال الهواة وتعيين الموالين العاجزين مكان الأكفاء المحايدين ظنا منها أن الحياة تبدأ من وصول هؤلاء «الثوار» إلى السلطة وأن لديهم وصفات سحرية لتسيير المجتمع بالوعود والشعارات. وكم مرة نصحت شخصيا بعض الحكام الجدد أن يخفضوا منسوب الحقد على من تولى المسؤوليات قبلهم في الإدارة ولم يخالفوا قانونا ولم يعتدوا على الناس ولم ينهبوا مالا ولم يهتكوا عرضا وقلت لهم لا تهينوا من تحمل الأمانة قبلكم بالهمز واللمز فتنعتونهم بوصمة الفلول والأزلام فتفقدون بفقدانهم كنزا من الخبرة وتسيير الإدارة والتعاطي مع الملفات، وسمع النصيحة بعضهم بينما نعتني البعض الآخر بأني من الفلول وألحقني بالأزلام! [email protected]