05 نوفمبر 2025
تسجيليوماً بعد يوم تؤكد دولة قطر للعالم أنها تجيد التعامل مع الأزمات وأن الحصار الأخير الذي فرض عليها من قبل جيرانها أعضاء مجلس التعاون الخليجي ما هو إلا اختبار زاد قطر احتراما وتقديرا من قبل المنظومة الدولية ودول العالم قاطبة. كيف لا وقطر تبهر العالم بقوانين وتشريعات جديدة تكرس حقوق الإنسان والمبادئ التي تقوم عليها منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية. فرب ضارة نافعة، هذا ما ينسحب على ما نشاهده هذا الأيام في الساحة السياسية الخليجية منذ حصار 5 يونيو على قطر. ما نلاحظه هذه الأيام من انعكاسات وآثار الحصار الظالم المفروض على دولة قطر. هذه الدولة التي استغلت سقوط الأقنعة وظهور نوايا الجيران إلى العلن في انتهاك سيادة دولة ومحاولة إرغامها على الانصياع لأجندة الآخرين. بكل بساطة قطر دخلت عهدا جديدا سواء فيما يتعلق بتحقيق وضمان أمنها الغذائي والاقتصادي والتجاري أو فيما يتعلق بضمان استقرارها واستقرار من يقيم على أرضها. في مبادرة جريئة ورشيدة سهلت دولة قطر تأشيرة الدخول لمواطني 80 دولة بهدف استقطاب الاستثمار وتطوير السياحة والانفتاح على العالم. أما الإجراء الفريد وغير المسبوق خليجيا فيتمثل في مشروع بطاقة الإقامة الدائمة. تلقى الشارع القطري مصادقة مجلس الوزراء على مشروع قانون بطاقة الإقامة الدائمة لغير القطريين بترحيب وارتياح كبيرين، حيث رأى مختصون وقانونيون وخبراء أنه يمثل قفزة تشريعية نوعية ستمكن من تعزيز المكتسبات في مجال حقوق الإنسان. القانون يشمل ثلاث فئات بالحق في الإقامة الدائمة، وهم أبناء المرأة القطرية المتزوجة من غير قطري، والذين أدوا خدمات جليلة للدولة، وذوو الكفاءات الخاصة التي تحتاجها الدولة وتأتي المصادقة على هذا القانون في سياق محلي يرتبط بظروف الحصار الذي تفرضه على قطر كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، وما تتناقله وسائل الإعلام المختلفة عن تعرض مقيمين في إحدى هذه الدول لمضايقات قانونية، وما تبعها من زيادة الرسوم لتجديد إقاماتهم وإقامات من هم على كفالتهم، وهو ما دفع الآلاف منهم إلى المغادرة. وسيتمتع حاملو بطاقة الإقامة الدائمة بعدد من الامتيازات؛ فسيعاملون معاملة القطريين في مجالات التعليم والرعاية الصحية، كما يمنحون الأولوية في التعيين بعد القطريين في الوظائف العامة العسكرية والمدنية، كما تمكن البطاقة الدائمة حاملها من التملك العقاري، وممارسة بعض الأنشطة التجارية من دون الحاجة لشريك قطري وستشكل لجنة دائمة بوزارة الداخلية تسمى "لجنة منح بطاقة الإقامة الدائمة"، للنظر في طلبات منح بطاقة الإقامة الدائمة وفقا لأحكام هذا القانون وأشادت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بمصادقة مجلس الوزراء القطري على مشروع قانون بطاقة الإقامة الدائمة لغير القطريين، ورأت أن هذه الخطوة سترسخ المكتسبات التي حققتها قطر في مجال حقوق الإنسان بشكل أكبر وقال مدير إدارة الشؤون القانونية في اللجنة جابر الحويل للجزيرة نت إن هذه الإقامة الدائمة ستمنح تقديرا واعترافا بجهود فئات خدمت الدولة وأسهمت في نهضتها. كما أكد الحويل أن المزايا المتعددة التي سيتمتع بها حاملو هذه البطاقة من شأنها تعزيز المنظومة القانونية لدولة قطر، ورفع مستوى الأداء في مختلف المجالات، وتوسيع دائرة تملك أصحابها بلا حاجة إلى شريك قطري. وظل قانون الإقامة الدائمة طيلة السنوات الماضية مثار نقاش مجتمعي مفتوح بين مختلف الفئات، خاصة فيما يتعلق بأبناء القطريات الذين كان لهم مطلب قديم بضرورة سن تشريعات تساوي بينهم وبين المواطنين القطريين كما أخذ هذا المطلب وحده حيزا مهما ضمن التقارير الدورية التي أصدرتها اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في دولة قطر في السنوات الماضية، فقد ظلت تدعو إلى تبني مقاربات شمولية في التعامل مع أبناء القطريات، وسن تشريع يحقق الأمان النفسي لهم، واعتبارهم كاملي المواطنة، لأن هذا سيعود بالفائدة على الأجيال المقبلة. ويتمنى الجميع من قانونيين ونشطاء المجتمع المدني وأفراد المجتمع بصفة عامة رؤية تطبيق أمثل لهذا التشريع المتقدم محليا وخليجيا فحسب، خاصة أن مقاربته جمعت بين الجوانب الإنسانية وتطوير المنظومة القانونية في مجالي التملك والاستثمار. ترى جمعية المحامين القطريين في هذا التشريع تعزيزا للحقوق المدنية لجميع من يقيم على أرض قطر، وهو نتاج حركية ترفض أي جمود محتمل على مستوى التشريعات التي يجب أن تتطور باستمرار وتساير حركة المجتمع. وقال الهاجري إن الإقامة الدائمة للفئات الثلاث التي نص عليها القانون الجديد، بقدر ما تمثل تكريما، فهي تحملهم مسؤولية أكبر للاستمرار في المساهمة في نهضة الدولة، وترسيخ الولاء لها. من جانبه يرى رجل الأعمال القطري علي حسن الخلف في تصريح للجزيرة نت أن التشريع الجديد جسد رؤية المشرع القطري بعيدة المدى لتعزيز مناخ الاستثمار وتوسيع دائرة التملك. وأوضح الخلف أن عدد السكان في قطر قليل، لذا لا بد من منح فرص أكبر أمام كل من يساهم في تحقيق رؤية الدولة الإستراتيجية والوطنية، وتعزيز دور المجتمع وخلق ارتياح نفسي يحفز الجميع، ويزيد من الارتباط بهذا الوطن والولاء له ولفت الخلف إلى أن هذا القانون هو أقرب ما يكون إلى التمتع بالجنسية، ويرى أنه سيكون مرحلة انتقالية نحو تحقيق مكتسبات أكثر تقدما، بما يخدم رؤية الدولة على أكثر من صعيد. إن قرار قطر منح الإقامة الدائمة للمقيمين على أرضها يعد قانونًا "غير مسبوق خليجيًا"، وأنه يمكن أن يسهم في تعزيز الاقتصاد المحلي وجذب الاستثمارات. القانون الجديد الذي أُعلن مساء الأربعاء، يمنح فئات من المقيمين بطاقة إقامة دائمة تساوي بينهم وبين القطري في الخدمات الطبية والتعليم والتوظيف، غالبية الأجانب في دول مجلس التعاون الخليجي الست بحاجة إلى كفالة السكان المحليين من أجل الاستقدام والعمل، كما أن المقيم في الدول الست بحاجة إلى شريك محلي لمزاولة أي عمل تجاري. أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، كلف المسؤولين تسريع تلك الإجراءات، لجذب المزيد من الاستثمارات، وتقليل الاعتماد على النفط، وتنويع الموارد، وهي خطوات تأتي في ظل سعي الدوحة لتمتين الاقتصاد المحلي وتعزيز جبهتها الداخلية في مواجهة الحصار الذي تفرضه دول السعودية والإمارات والبحرين عليها منذ الخامس من يونيو الماضي. إن منح المغتربين بقطر مثل هذه الامتيازات، في ظل الحصار المفروض على الدوحة، يمكن أن يسهم في تعزيز مشاركتهم في تحدي الحصار، وأيضًا ربطهم بشكل وثيق مع البلاد، فالقرار يعتبر نموذجا منفتحا ومتسامحا وشاملا وغير مسبوق خليجيا. هذه هي قطر ما بعد يونيو 2017.